بين الطائفي.. والوطني

بين الطائفي.. والوطني

يقول المثل الشعبي ما معناه: إنه في أوقات المحن تكشف معادن الرجال.. وربما لم يمر في العصر الحديث على هذا الوطن الحبيب محنة أشد وطأة من هذه المحنة، وأقصد الأزمة العميقة التي تعصف بالبلاد والعباد منذ سبعة أشهر ونيف، والتي انبثق عنها الكثير من الأوهام والمغالطات.. فالصراع الوهمي ما يزال محتدماً بين «موال» متعصب و«معارض» متعصب منذ بداية الأزمة، وإن كان تظهر هنا وهناك نقاشات وحوارات بين العاقلين على اختلاف مواقعهم، إلا أن الصورة تختلط على الكثيرين بسبب الأوضاع المعقدة التي تعصف بالوطن الحبيب..

وتستمر الأزمة، ويبقى هناك من يعتقد بأن الوطن يبدأ وينتهي من عنده، ولذلك يعتقد بأنه يحتكر الحقيقة.. ويبقى هناك كذلك من يقول في المقابل: «إنني أدافع عن النظام لأنني مع الشعب».. وبين هذا وذلك تحتدم الأمور.. بينما يستمر العقلاء بالبحث عن الطريق الثالث.. الطريق الحقيقي للدفاع عن الدولة التي تمثل الوطن، وتمثل الجميع.. يبحث الوطنيون الحقيقيون من كل شكل ولون عن مخرج آمن وحقيقي من هذه الأزمة، لكن كيف؟ إنه السؤال الكبير الذي يسأله الجميع الآن، فالغالبية الساحقة، مؤيدون ومعارضون باتوا يريدون الوصول إلى بلد العدالة والمواطنة وكرامة الوطن والمواطن، عدا أقلية متطرفة متعصبة ضيقة الأفق أنانية مرتبطة بأجندات خارجية تدعي أنها «المعارضة» وبشكل خاص الخارجية منها، الذين يرفعون الشعارات الطائفية والتحريضية وتتخذ من الشاشات المسمومة منطلقاً إعلامياً، وهناك من يلف لفهم من الفاسدين السابقين والحاليين الباحثين إما عن تكريس  نهبهم وزيادته، أو عن المنصب والزعامة والسطوة، هؤلاء يتخذون من الطائفية سلاحاً أساسياً لهم في الهجوم، ولا يبالون بالدماء السورية التي تسيل بالشوارع من كلا الطرفين، بل ينظرون بعين واحدة هي عين مصالحهم الضيقة، ولا يبالون بوطنهم سورية، ولا يهمهم الطوفان الذي يوشك أن يغرق الجميع.. وهناك أقلية أيضاً من الفاسدين والانتهازيين والمتسلقين والطفيليين من داخل النظام تدعي الدفاع عن الدولة وعن منجزات حزب البعث وعن الوطن ضد الطائفية، تارة بتحويل الصراع إلى صراع طائفي قد يدمر الدولة والوطن، وتارة بالتهويل والمبالغة بالتخوف من «الآخر» الذي يتربص بالبلاد ليبلع الجميع؟!... ومن هذه الأقلية الفاسدة الانتهازية ظهر عبد الحليم خدام ورفعت الأسد اللذان كانا على مدى ثلاثين عاماً يحكمان ويتحكمان بالبلاد والعباد؟! وهناك الكثيرون على شاكلتهم في بعض المواقع الحساسة الآن، يعرفهم شعبنا ويشير إليهم بالبنان، والأيام القادمة ستكشف لنا الكثير من هؤلاء الذين يتاجرون بدماء الشعب السوري العظيم الذي يدفع ضريبة ما يجري دماً يسيل من أوردة أبنائه الطاهرين، عسكريين ومدنيين..

أما الطرف الثالث، وهو يمثل الغالبية من الشعب السوري على اختلاف أطيافه، فهو يريد حقيقة الإصلاح الحقيقي الشامل، ويريد وطننا للجميع.. يريد وطناً يطبق فيه القانون على الجميع، ويعيش فيه الجميع دون أي تمييز حزبي أو طائفي أو قومي أو مناطقي.. يريد وطناً حراً وشعباً سعيداً، وطن التنمية والتقدم و العدالة الاجتماعية.. وطناً تكون فيه الدولة وطنية ديمقراطية للجميع، والمواطنة هي المعيار الأساسي للتعامل بين كل أبناء الشعب السوري الذي يملك أقدم حضارة في التاريخ وأقدم عاصمة في التاريخ. وهؤلاء الغالبية موجودون في كل الطوائف وفي كل الأحزاب الوطنية وفي كل التيارات التي يهمها بناء سورية للجميع وفوق الجميع.. وهؤلاء هم الوطنيون الحقيقيون، وعليهم يتوقف مصير سورية المستقبل، لأن الطائفيين المتعصبين من الجهتين لا يهمهم لا بقاء الدولة موحدة، ولا بقاء الوطن مستقلاً سيداً، بل إن الوطن يعني لهم مزرعة، وكل وطني شريف فعلاً يريد أن يعيش في وطن ودولة موحدة محترمة هي سورية العادلة.. وهؤلاء موجودون فعلاً بين الموالين العقلاء والمعارضين العقلاء، أما المتعصبون الفاسدون الطائفيون من الجهتين فسيذهبون إلى مزبلة التاريخ، فالمؤمنون بالحوار للوصول إلى مخرج آمن، وللحفاظ على وطن تكون فيه كرامة المواطن فوق كل اعتبار، هم الذين سيكتب تاريخنا الوطني أسماءهم بحروف من ذهب...