التشكيل الوزاري الجديد... خطوة الى الأمام
لم يكن مفاجئاً صدور ردود فعل وتصريحات موتورة ومتشنجة على الخطوة الهامة التي خطتها سورية باعلان التشكيل الوزاري الجديد الذي يضم كفاءات سياسية وتكنوقراطية يمكن لها أن تعالج القضايا الآنية الملحة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي بما يخفف من وطأة الأزمة ومعاناة الشعب الذي أنهكته السياسات الاقتصادية الليبرالية والفساد والعنف الدموي والحصار الاقتصادي الجائر.
لم يرق لمجلس اسطنبول وحسن عبدالعظيم أن يتلمس السوريون دروب الاستقرار ودرء العدوان الخارجي وحماية الدم السوري وعودة الحراك السلمي المستقل عن الأجندات الأجنبية والسلفية. لم يرق لهم أن يوكل قطاع هام يتصل بتوجهات البناء الاقتصادي الاجتماعي إلى قيادي شيوعي بارز انخرط في الاساس في النضال من أجل نظام اجتماعي عادل يلبي مصالح غالبية الشعب السوري واستئصال الفساد بما يعزز السيادة الوطنية لسورية ودورها العربي والاقليمي، في الوقت الذي هرع فيه آخرون ممن لا يقبلون بالحلول الوطنية فاهدوا مفاتيح دمشق إلى الناتو والى جامعة الدول العربية ،الكيان العربي المهزوز والتابع للغرب وأعوانه في مشيخات النفط.. هؤلاء لن يقبلوا بأية حلول توافقية فلقد جمدت عقولهم وامتلأت جيوبهم وتخضبت أيديهم بدماء الشعب الذي يتحدثون باسمه. إن أية خطوة يتخذها النظام السوري تلبية للمطالب المشروعة للشعب وقواه الحية كفيلة بأن تحصن البيت السوري وتلجم الجمع المتآمر والمتاجر بقضية الحرية والديمقراطية، كما سيلجم أباطرة الفساد في الداخل - الحليف الطبيعي للعدو الخارجي.
ندرك أن مسؤولية كبرى وافق حزب الإرادة الشعبية وحلفاؤه على التصدي لها، لكنها ليست مهمة مستحيلة في ظل توافر البرامج المحددة والرؤية الواضحة والإصرار الذاتي، فضلا عن توفر الحاضن الاجتماعي للتوجهات الاقتصادية الاجتماعية التي تنادي بها القوى التقدمية السورية في السلطة والمعارضة وهي الجماهير الكادحة والبرجوازية الوطنية وكل المتضررين من السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات السابقة وأدت الى إفقار الشعب وضرب الاقتصاد الوطني واستشراء الفساد المالي والسياسي وأسس للحالة الراهنة التي تعدت أبعادها الاقتصادية والاجتماعية لتضع مصير الوطن في مهب الريح.
يحق للمرء أن يتفاءل، رغم لهيب الأزمة وكثافة العدوان الخارجي، من أن سورية قادرة على تجاوز أزمتها، مع قصور الخطوات الإصلاحية وبطئها حتى الآن، وحجم التعقيدات وتوازن القوى داخل النظام وخارجه، والدور التخريبي للمتاجرين بشعارات الديمقراطية الذين يحكمهم الحقد وروح الانتقام ولوثة التسلط، الذين ستزداد ضراوتهم في محاربة جهود المصالحة الوطنية ومعالجة الأزمة وجذورها كلما اتخذت هذه الجهود محتوى اجتماعيا لا يتفق ومصالحهم الطفيلية ومصالح أسيادهم في الخارج. ولعل ردود الفعل العصبية التي بدرت عن حسن عبدالعظيم ومجلس اسطنبول جاءت لإدراكهم بأن التشكيل الوزاري الحالي واستحداث وزارات جديدة توحي إلى حد كبير بأن مطالب المعارضة الوطنية التقدمية بالقطع مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية السابقة قد أخذت بعين الاعتبار، وأن هناك نية حقيقية لتفعيل المصالحة والحوار الداخلي بتكليف الرفيق علي حيدر بوزارة استحدثت بمرسوم رئاسي، وهي خطوة جريئة واختيار صائب أن يكون هذا المناضل على رأس جهود المصالحة الوطنية.
هذا التفاؤل لا يعفينا من القلق من العراقيل التي ستواجه الحكومة بتوجهاتها الجديدة في ظروف استمرار العنف الدموي واستشراس العصابات المسلحة مدعومة بأعداء الوطن في معارضة الخارج ومن يحالفهم من الداخل والقوى الامبريالية والرجعية. لن تقبل قوى الفساد الداخلي والطفيليون بالتسليم بحق الشعب في ثرواته وادارته للإقتصاد الوطني والتجارة الداخلية والخارجية، واعادة الروح الى القطاع العام وتعزيزه كقاطرة أساسية للقطاعات الأخرى. لذا فإنه من الضرورة أن تعمل الحكومة موحدة وأن تجد الدعم المتواصل والصريح من القوى المخلصة في النظام ومؤسساته السياسية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام وكل من يسعى حقاً الى الخروج من الأزمة ووضع البلاد على سكة التعافي والوحدة والتقدم السياسي والاجتماعي. وتقع مسؤولية خاصة على قوى الحراك السلمي في توحيد صفوفها وعزل قوى التطرف والعصابات المسلحة وكشفها، والضغط بالوسائل السلمية لتحقيق المطالب المشروعة والحفاظ على وحدة الوطن وسيادته.