الحكومة الجديدة...  بعض من الواجبات

الحكومة الجديدة... بعض من الواجبات

ماهو المطلوب من الحكومة الجديدة؟ 

هو باختصار كل ما كان مفتقدا في الحكومات السابقة، وكل ما كان مفتقدا في الحكومات السابقة هو ما يريده الشعب وما لا يريده أعداءه...

المصداقية أولا:

ما كان مفتقدا بالدرجة الأهم هو المصداقية ربما، وهنا لا نتحدث عن مفهوم أخلاقي وحسب بل نتحدث عن ضرورة البحث عن آليات حقيقية تقطع مع حالة عدم الثقة التي كرستها الحكومات السابقة، وهنا سيكون من الضروري التركيز على أولى الخطوات والإجراءات، والتي قد تعكس توجها جديدا فإما أن تتقدم، أو تكرس التصورات السابقة  فتشكل تراجعا إلى الوراء.  إن المواطن السوري لا يعرف عن الحكومات السابقة إلا الكذب وغلاء المعيشة والفساد، ربما من الضروري أن نتحدث عن إحداث تغيرات رقمية جادة في المؤشرات الاقتصادية  رغم كل المعيقات الموضوعية، ولكن ما هو حاسم بالدرجة القصوى الآن هو أن يجد المواطن عقلية جديدة تتعامل مع آلامه، من هنا ينبغي على الحكومة أولاً مصارحة المواطن ببيانات واضحة عن الحالة الاقتصادية العامة التي وصلت إليها البلاد، كمؤشرات الفقر والبطالة والتضخم كنوع من الاعتراف والإعلان عن التحديات أمام الجميع ليصير لاحقاً المحاسبة على أساس التقدم في هذه المؤشرات. وإذا كان أول عناوين هذه الحكومة هو القطع التام مع السياسيات الليبرالية، فإن هذا القطع لا يعني فقط القطع مع سياساتها الاقتصادية وحسب، بل أيضا القطع مع آليات الخداع والكذب الإعلامي التي رافقت تلك السياسات، وقد تكون المصداقية هي نقطة البداية الأهم، فالمؤشرات الاقتصادية ستحتاج إلى وقت محدد لتؤتي أكلها لكن تغيير العقلية الآن هو الأهم. وهو ما يمكن ترجمته عمليا بالإعلان عن برنامج شامل استراتيجي،  وبرامج جزئية تعلن فيها القضايا الآنية الواجب حلها.

إجراءات سريعة وممكنة وضرورية:

وفي هذا المجال يجب أن ترسل الحكومة أولى رسائلها للمواطن، بأولى إجراءاتها وخاصة على الصعيد الإداري، لأهمية هذه الإجراءات على صعيد تغيير فكرة المسؤول الذي يتحكم بقوت الناس إلى المسؤول الذي يحكم لأجل الناس، فالمأمول هنا أن يتم التعامل بحزم مع بعض المظاهر الترفية التي يعيشيها المسؤولون في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنون، وهذا يتطلب إجراءات تقشفية على صعيد المصروفات الإدارية وخفض الإنفاق الإداري ( أي نفقات كبار المسؤولين والمدراء العامين على سياراتهم ورواتبهم وتعويضاتهم) نتذكر كيف خفض هوغو تشافيز واحمدي نجاد مرتباتهم إلى النصف  كما تبرع خوسي موخيكا رئيس الأوروغواي بنصف راتبه لمشاريع التنمية الاجتماعية. إن هذه الإجراءات أقل ما يمكن لها أن تكون مواساة للمواطن في أزمته الحالية، هذا عداك أن توسيع هذه الإجراءات قد يقلل من معدلات  الهدر والإنفاق غير الضروري ويجعل من سياسة شد الأحزمة تطال المسؤولين قبل المواطنين، كما بات من الضروري تشكيل لجنة إعلامية ناطقة باسم الحكومة تعلن يوميا عن الوضع العام لعمل الوزارات، علها تضع المواطن في موقع الاهتمام، ومعرفة ما يحدث حقيقة داخل الأبواب المغلقة.

تطوير الإطار السياسي للحكومة الجديدة:

ما تم الحديث عنه في الأسطر السابقة قد يكون شكلياً لكنه هام ومفصلي إلا أن الحديث عن الأبعاد السياسية لهذه  الحكومة ومآلات إطارها السياسي الممكن يجب أن تشغل بال السياسيين في النظام والمعارضة، وهنا علينا أن نتذكر أن هذه  الحكومة مقدمة لحكومة  أخرى ستكون حكومة الوحدة الوطنية، والتي من المنتظر أن تقود عملية التغيير الشامل، وفي هذا السياق تقع على عاتق الحكومة الحالية، كونها حكومة وسيطة، إن صح التعبير، تخفيف مستوى الاحتقان الشعبي عبر الإجراءات الصادمة وخاصة في المجالين الاقتصادي ومجال المصالحة الوطنية إضافة إلى مجال محاربة الفساد الكبير، وهو ما سيسمح بتعبيد الطريق لخوض معركة الحوار الوطني. إن الذهاب إلى حل سياسي حقيقي يجب أن يبدأ بتخفيف الكم الهائل من المعيقات الداخلية، وإلا سيكون الحوار مكانا للتحاصص بدلا من أن يكون نقطة تحول في الواقع السياسي السوري الساعي لبناء نظام جديد.

في السياق ذاته ستكون مثل هذه الإجراءات بمثابة اختبار  جدي للنظام الذي يجب أن يعطي للحكومة أوسع الصلاحيات لتنفيذ برنامج استثنائي من هذا النوع، فمحاربة الفساد الكبير المتمترس  في جهاز الدولة، إضافة إلى تنفيذ بنود المصالحة التي تشمل محاسبة كل من أراق دماء بغير وجه حق، ستصطدم بكل تأكيد بممانعة قوى الفساد التي قد تفرغ الحكومة من دورها، ومن هذا الباب يجب أن يعي النظام أن تلوين هذه الحكومة ببعض الأسماء المعارضة لا يعني أنها باتت قادرة على أن تكون حكومة حل، فالحل يتطلب تسهيل عمل الوزراء المعنيين بهذا البرنامج بإعطائهم مطلق الصلاحيات.

إن الحكومة الجديدة هذه لن تكون فعالة وقادرة على الاستمرار في طريق الحل ما لم تنجح بكسب ثقة أوسع الجماهير ولهذا هي مطالبة أكثر من غيرها بإجراءات عميقة وواسعة لتحقيق ذلك الانعطاف في مزاج الناس، ولهذا يجب أن يترافق عملها مع تخفيض مستوى العنف من بعض الأجهزة الأمنية التي تتبع في نهاية المطاف لجسم الحكومة وإلا ستموت هذه التجربة في بدايتها دون السماح لها بالتحول اللاحق إلى حكومة وحدة وطنية  فعلية، وهو ما يعني عمليا العودة إلى الوراء، وتصاعد منسوب الدم إلى مستويات أعلى من ذي قبل. وهنا يجب الانتباه أيضا إلى إن دخول عناصر معارضة للوزارة( وزراء الجبهة الشعبية ) لن يكون كافيا لإرضاء الناس، فالطيف المعارض أوسع من الأطراف المشاركة بالحكومة، وهو ينتظر عمليا إجراءات جدية وحاسمة في إطار إثبات حسن النوايا من خلال وقف العنف غير المبرر، وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار بإدراج مهمة لهذه الحكومة بالتواصل مع أطراف المعارضة الوطنية الأخرى لحثها على المشاركة وتسهيل مهمة الحوار الوطني المنشود.