نظام «الفرص الضائعة» ومعارضة الـ«لا حل»..
يستحق النظام أن يُسمى بجدارة نظام الفرص الضائعة، فهو الذي فرّط بالفرصة تلو الأخرى منذ بداية الأزمة ولو استغلها بشكل صحيح لخرج هو بأقل الخسائر، وأنقذ البلاد والعباد من المصير الذي آل اليه
رغم أن جميع التوقعات والتحليلات كان تؤكد أنّ سورية لا تستطيع أن تكون جزيرة معزولة في عالم وصلت تناقضاته إلى الذروة، وفي أقليم تُفرّغ فيه تاريخياً كل تناقضات العالم، وفي وطنٍ طالما كان دريئة في مرمى المشاريع الدولية الاستعمارية، وفي ظل سياسات اتبعها النظام راكمت من المتناقضات والأزمات ما يكفي إشعال عود كبريت فقط حتى تشتعل الغابة على من فيها. رغم كل ذلك، تمت إدارة الأزمة بمنطق محاولة احتواء المجتمع، مع العلم أنه مجتمع تنتمي أغلبيته الساحقة عمرياً إلى الفئة الشابّة بما تحملها من حيوية واندفاع ورغبة مشروعة في التغيير، فئة لاتجد ما تخسره في النضال سوى قيودها وتهميشها، ومستعده أن تناطح كل الأدوات القمعية التي يمتلكها النظام بعد أن دفعتها السياسات الليبرالية الاقتصادية وإفرازاتها إلى أتون البطالة، والقهر الاجتماعي والأفق المسدود.
لقد تم التفريط باللحظة التاريخية بعد انطلاق الاحتجاجات في البلدان العربية، ولم تهيئ البلاد كما كان مفترضاً لتجاوز ما يمكن أن يترتب على انتقال العدوى من تونس ومصر إلى سورية، لابل حتى جملة «القرارات الإصلاحية» التي صدرت بعد انطلاق المظاهرات وأدتها الأجهزة الأمنية بسلوكها على الأرض، وجاء «اللقاء التشاوري» ليكون علامة بارزة ونافذة أمل، إلا أن نتائجه بقيت حبراً على ورق، وجاءت انتخابات مجلس الشعب التي كانت فرصة أخرى لتكون بداية للعمل بموجب المادة الثامنة الجديدة في البلاد، إلا أن الطريقة التي جرت بها الانتخابات والنتائج المعلبة والمسبقة الصنع زادت الهوة بين النظام والجماهير. وفي هذا السياق كان تشكيل الحكومة ذات الطابع الائتلافي والتي شارك بها قسم من المعارضة الوطنية متمثلة بالجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وفْق بيان حكومي متوافق عليه إلا أن الوقائع الملموسة، أكدت وتؤكد أن الحكومة في واد وبيانها العتيد في وادٍ آخر، بسبب تعنت متشددي النظام.. وهكذا جاءت الفرصة تلو الفرصة ومع كل فرصة كان منطق التفكير السائد لدى هؤلاء، وقصر النظر السياسي، وشبكة المصالح وغيرها من العوامل منفردة أو مجتمعة تقوم بدور قوى عطالة قادرة على إجهاض أية محاولة للخروج الآمن من الأزمة.
معارضة الـ«لاحل»!
الوجه الآخر للأزمة– المأساة السورية، كان سلوك بعض قوى «المعارضة» السورية، وجاءت مواقفها و نتائج سياساتها لتؤكد حقيقة ساطعة، وهي عدم رغبة هذه المعارضة بالحل أصلاً، فهي التي حاولت « فرض» نفسها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري وحركته الاحتجاجية، وقاد هذا الرهط «المعارض»- بما وضع تحت تصرفه من منابر إعلامية ومالية واستخبارية– الحركة الاحتجاجية، من مأزق إلى مأزق.. بدءاً بشعار «الإسقاط» وعسكرة الحراك، ورفض الحوار، أو وضع الشروط المسبقة عليه وصولاً إلى التنسيق العلني مع قوى دولية معادية، والدعوة المفضوحة إلى التدخل العسكري المباشر، وبعد أن «خذلتها» القوى الدولية الداعمة لها في مسألة التدخل المباشر، لم يكن أمامها، كما متشددي النظام، إلا «السُّعار» الطائفي، والمزيد من استجداء السلاح والمال من قوى بات واضحاً أنها تبيع الأوهام، ولاتريد فقط «إسقاط النظام» بحجة حماية الشعب السوري كما تدعي، بل تريد الإجهاز على ما تبقى من سورية كدولة عبر إدامة الاشتباك.
بين هذا وذاك غيبت إرادة أغلبية الشعب السوري ومنعت هذه الأغلبية من التأثير على اتجاه تطور الأحداث. وفي ظل الاستقطاب الحاد والمشوه المفروض على المجتمع السوري أصبحت الكلمة لمن يحمل السلاح الذي بات أغلبية السوريين يرفضون وجوده. جاء التوافق الروسي الامريكي، والإعلان عن عقد مؤتمر دولي خاص بسورية في نهاية الشهر الجاري، ليكون بمثابة امتحان جديد وربما أخير أمام الطرفين لكشف مدى امتلاك الجرأة على التوافق والانسجام مع آفاق هذه الفرصة التاريخية المقدمة للجميع لكي لاتخسرالبلاد أكثر مما خسرت حتى الآن.