سورية اليوم.. ضمن اللوحة العالمية
ينبغي الإجابة عن سؤال أساسي هو: لماذا لا تكون روسيا ذاهبة فعلاً -كما يتمنى البعض- إلى تغيير مواقفها من الأزمة في سورية باتجاه التساوق مع أمريكا وأوروبا؟، ذلك أن الإجابة على هذا السؤال كفيلة بتوضيح الموقع الذي تحتله سورية اليوم ضمن التجاذبات العالمية الكبرى..
لاشك أن روسيا والصين وأمريكا وأوروبا جميعها في الخندق ذاته من حيث هي أقطاب رأسمالية كبرى، وخصوصاً في ظل العولمة التي توحد مصيبتهم وتضع أرجلهم في «الفلقة» معاً، وتحديداً إذا قرأنا الديون الروسية والصينية على أمريكا وطبيعة علاقاتهم الاقتصادية إذاً لزادت معادلة الخندق الواحد وضوحاً وجلاءً، ولكن فرقاً أساسياً يجعلهم في خندق واحد وعلى تضاد في الوقت ذاته، وهو كون أمريكا وأوروبا يلعبان اليوم دور إمبرياليتين في مقابل رأسماليتين صاعدتين روسية وصينية، ويتضح ذلك من خلال إصرار أمريكا على نهبها للعالم بدولارها المتضخم محمولاً على اقتصاد ضعيف تسنده آلة عسكرية شديدة الضخامة، وبهذا معنى فإن ذهاب أمريكا نحو الانهيار الصاعق سيحمل المنظومة بأكملها إلى الهاوية، فهم لذلك في خندق واحد. وبالمقابل فإن الاقتصاديات الصينية والروسية تريد الاستمرار دون هذا الانهيار، لذا فإنها تريد للدولار تراجعاً منتظماً وهادئاً قدر الإمكان، لأن مواجهة عنيفة معه ستقود إلى انهيار صاعق، وكذلك فإن تركه ليبتلع مناطق الثروات الأساسية سيجمد الاقتصاديات الروسية والصينية ويتركها نهباً للدولار.
على الضفة الأخرى فإن أمريكا بأزمتها الحالية التي بدأت للتو في طورها الاقتصادي بعد أن أتمت طورها المالي، وأوروبا وخاصة بعد الأزمة الايطالية التي تعني الشيء الكثير، حيث تعد إيطاليا ثالث أضخم اقتصاد في أوروبا، ويزيد حجم اقتصادها عن مجموع اقتصاديات اليونان وإسبانيا والبرتغال مجتمعة، إن هاتين القوتين أمريكا وأوروبا تدخلان في حالة طنين جديدة تكاد لا تسمح لهما باتخاذ قرار الحرب، مع أن هذا القرار ما يزال ممكناً حتى اللحظة. لكن الوقت يدركهم بسرعة كبيرة، ولذلك فهم ميالون إلى حروب واسعة ولكن بأيد غير أيديهم هي الأيدي التركية والخليجية العربية ضمناً الأردنية والسورية والإيرانية و«الإسرائيلية»، وسورية ضمن أزمتها الحالية هي الأكثر قابلية للعب دو صاعق الانفجار في المنطقة لما تحمله تعقيدات تركيبتها الديمغرافية وتعقيدات ارتباطاتها وأوراقها الإقليمية من فتائل تفجير للمنطقة بأسرها، ولكن السير بهذا الاتجاه ما يزال حتى اللحظة محاطاً بجملة من العراقيل..
ضمن ظروف من هذا النوع، فإن عدو الخندق الواحد أضعف مما كان بكثير، ولذا يجب تصفيته بأقل الخسائر الممكنة وبأقل الآثار على ثبات وصمود الخندق، وعليه فإن من المستبعد تغيير الموقف الروسي- الصيني ليس في الأيام القريبة القادمة، وإنما أيضاً في المدى المتوسط الذي سيحمل تغيرات كبرى في منظومة القوى العالمية وتوازناتها، ولكن هذا كله مرهون بمدى استجابة النظام السوري لدخول سريع في الحل السياسي، يفترض ضمناً إيقاف العنف وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وقبل هذا وذاك توجيه ضربات قاصمة للفساد الكبير الذي يضع يده اليوم على الموارد الوحيدة المتبقية لصمود سورية وخروجها من عنق الزجاجة، حيث يظهر اليوم بوضوح شديد أن الباب مغلق تماماً أمام أي حل داخلي ما دامت قوى الفساد مستمرة في النهب الذي أوصل سورية إلى حافة الكارثة..