الافتتاحية: «المؤتمر الدولي» ومفهوم السيادة الوطنية
يترقب السوريون بفعالياتهم المختلفة، معارضة وموالاة، مسلحين وغير مسلحين، متحزبين ومستقلين، والأهم مواطنين عاديين اقتراب المؤتمر الدولي، ولكن كل جهة منهم تريد «سحب البساط لطرفها»، وسط ترقب حذِر، سمته لدى غالبية المواطنين على الأقل، الرغبة الصادقة بالخروج من مستنقع الأزمة، بعدما بقي أملهم معلقاً على «الخارج» أكثر منه على الداخل، وذلك لأسبابٍ ليست بقليلة الوجاهة، وإن كانت ذات خطرٍ لا يجوز تجاوزه بأية حال.
إن المؤتمر الدولي المزمع عقده خلال الأسابيع القادمة، إذ يدلل بوضوح على أن «التوافق» الروسي- الأمريكي على الشكل الجديد للصراع في سورية وعليها قد أنجز من حيث المبدأ، فإنه يشير أيضاً إلى أن جزءاً من التفاصيل قد تم إنجازها خلال المباحثات الأخيرة. ويشير فوق ذلك- وهذا موضع اهتمامنا الأساسي- إلى أن تضييع الفرص المتلاحقة من متشددي النظام يداً بيد مع القسم المتعنت من المعارضة المرتبط بواشنطن مباشرة- والذي لا يجوز لومه، لأن تأخير الحل ورفع مستوى التوتر هما وظيفته بالذات- إن تضييع الفرص ذاك، هو الذي أوصل الأزمة السورية إلى هذا المستوى غير المسبوق من التدويل، وهو بهذا المعنى انتهاك صارخ للسيادة الوطنية، وهو الذي- بتراكمه- جعل مسألة الحفاظ على السيادة الوطنية اليوم أولوية أولى.
وإذ يرى البعض أن السيادة الوطنية هي دائماً أولوية، وهم محقون في ذلك، فإن ما يجب تأكيده هو أن حماية السيادة الوطنية في الظرف المعقد الراهن ليس بالأمر الهين ولا المجتزأ أو المقتصر على بند أو اثنين، ذلك أن الأخطار التي تتهدد هذه السيادة عميقة وشاملة، ونعني بذلك أن السيادة الوطنية بمفهومها العميق تتجاوز مسألة حماية وحدة سورية أرضاَ وشعباً ومؤسسات وفقاً للصيغة العامة، ويتجاوزها إلى:
السيادة على الحدود السورية، براً وبحراً وجواً، وما يستلزمه ذلك من رفع للجاهزية القتالية، وتأمين جميع الظروف التي تسمح بتوجيه تلك الجاهزية في الاتجاه المطلوب.
السيادة الوطنية تتطلب اقتصاداً وطنياً غير مقيد بأي من أنواع التبعية للمؤسسات الاحتكارية الدولية من نمط صندوق النقد والبنك الدوليين وما لف لفهما.
يرتبط مفهوم السيادة ارتباطاً عميقاً بمفهوم الهوية الوطنية، تلك الهوية التي تعرضت لرضوض عديدة خلال الأزمة وقبلها، والتي يجب إعادة بنائها بأسرع وقت على قيم العدالة الاجتماعية والحرية والعداء للكيان الصهيوني وحلفائه، الأمر الذي يتطلب - في ما يتطلب - محاكمة علنية للفاسدين داخل جهاز الدولة قبل الفاسدين خارجه..
إن مجمل الفرص التي ضيّعها المتشددون حتى اليوم، كان من شأنها زيادة تعقيد الأزمة ورفع مستوى الاستنزاف، ولكن تضييع الفرصة القادمة المتمثلة بالمؤتمر الدولي سيكون له آثار كارثية على سورية المستقبل. لذلك فإن المهمة اليوم هي حشد أكبر صف وطني ممكن للحفاظ على سيادة سورية في المؤتمر وبعده، الأمر الذي يعني ضمناً أكبر ضغطٍ شعبيٍ ممكن على متشددي النظام السوري ومتشددي المعارضة لعزلهم وتحييدهم، وبالتالي رفع إمكانية الاستفادة من المؤتمر الدولي للحفاظ على سيادة سورية التي يوافق جزء من المؤتمرين عليها لفظياً حتى الآن، وتحويل موافقاتهم اللفظية إلى التزامات وتعهدات بنبذ العنف ووقف تمويله.