الدستور «المقدس».. هل يخالف بتعميم؟!
يضبط دستور الجمهورية «المقدس» سيادة البلاد وخطوط سياستها العريضة, ويعلو بكل سوري فخراً وعزة وكرامة, فهو الذي نص في أولى مواده على أن السيادة للشعب.. وقد أثار بعض الحقوقيين والمحامين والدارسين للقانون مراراً وتكراراً بعض المخالفات الدستورية التي لم تلق آذاناً صاغية.. ولعل المشكلة تتجلى في آلية معالجة الخلل أو المخالفة, فقد نص القانون على أن المحكمة الدستورية العليا هي المنوطة بالتحقيق ومعالجة دستورية القوانين والمراسيم حين ذكرت المادة 15من القانون الناظم لها:
تنظر المحكمة الدستورية العليا في الأمور التالية:
ب- دستورية القوانين قبل إصدارها بناءً على طلب رئيس الجمهورية أو ربع أعضاء مجلس الشعب.
ج - دستورية المراسيم التشريعية بناءً على طلب من ربع أعضاء مجلس الشعب.
د- دستورية مشروعات القوانين والمراسيم التشريعية بناءً على طلب رئيس الجمهورية.
ولا أحد يشك بتاتاً في إمكانية وقدرة القضاء السوري على تطبيق الدستور والانصياع لأوامره.. إلا أن التنبيه إلى بعض تلك المخالفات الدستورية لا بد أن يأخذ أعلى أشكاله, وأنا - باسمي - أدعو صحيفتنا الغالية «قاسيون» التي كانت ولا زالت تعنى بهموم الوطن الحبيب، إلى فتح ملف الدستور ومخالفاته, وقد أطمح – إن اتسعت صدوركم – إلى التلميح لبعض تلك المخالفات تباعاً..
ولعلي أبدأ بما انتهى أخيراً من تعاميم حكومية صادرة.. فعلى سبيل المثال - لا الحصر - أصدرت وزارة العدل مؤخراً التعميم رقم 69، الذي نص على منع الكاتب بالعدل من توثيق أي عقد بيع يتعلق ببناء أو وكالة تصرف إلا بعد توفر نسخة عن رخصة البناء، إضافة إلى براءة ذمة من دوائر المالية!
والتوثيق - كما هو معلوم - هو تصديق الكاتب بالعدل على تواقيع أو أختام أو تصرفات إرادية وعقود بين الأطراف !
فهل يجوز أن يصدر تعميم من وزير العدل بصفته الإدارية للكاتب بالعدل بعدم تصديق عقود بيع المواطنين, الفقراء ومتوسطي الحال من هذا الشعب؟..
نعم .. فمن الذي يضطر لتنظيم عقود بيع لدى الكاتب بالعدل ويترك السجل العقاري غير مالكي العقارات المخالفة, الموجودة في الأحياء الفقيرة والتي امتلأت مدننا السورية بها! علماً أن المشرع قد اعترف بوجود المخالفات وأعطاها مركزاً وثباتاً قانونياً، كما منع من هدمها لأنها مخالفات مشادة قبل صدور المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2003م، مما يعني منع المواطن في المخالفات من التداول والبيع والشراء.
والبيع وفق المادة 386 من القانون المدني السوري هو عقد يلزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً في مقابل ثمن نقدي.
فمن يملك منزلاً ملكية صحيحة وفق وكالة بيع متسلسلة، لم يعد بإمكانه وفق هذا التعميم أن يبيع ما يملك عند الكاتب بالعدل، خاصة إن أصدر وزير العدل تعميماً جديداً للقضاة, ينص بالالتزام والتقيد بالمذكور سابقاً، عندها تكون الطريق أمام المواطن مسدودة من ناحية اللجوء إلى الكاتب بالعدل أو القضاء.. في حين نصت المادة 30 من قانون الكاتب بالعدل أن الوثائق المنظمة أو الموثقة من الكاتب بالعدل لها القوة الثبوتية المنصوص عليها في قانون البينات.
هنا يأتي السؤال حول المواطن الذي اعترف له المشرع بوضعه القانوني في هذه المخالفات، فهل يمنع وفق التعميم المذكور من البيع؟
وهل منْع المواطن العربي السوري - صاحب السيادة - في منطقة المخالفات من البيع مخالف للدستور، أم إن وزير العدل يملك من خلال تعميم أن يلغي أحكام الدستور الذي يحمي الملكية الخاصة المعترف بها؟!.
إن صدور مثل هذا التعميم من وزير حكومي يعد بمثابة إعاقة للقانون، لا بل هو مخالفة للدستور, الذي نص على قداسة الملكية الشعبية والجماعية ومن ثم الفردية, والذي نص – في مادته الثانية عشرة – على أن الدولة في خدمة الشعب، وأن مؤسساتها تعمل على حماية الحقوق الأساسية للمواطنين وتطوير حياتهم..
فهل منع المواطن من بيع بيته الذي تفتق كبده لشرائه تحت ظل وحماية القوانين ورعايتها, مخالف للدستور؟!
وهل امتثال الكتاب بالعدل بتسلسلهم الوظيفي لنداءات وزارة المالية جناية لبعض الضرائب, مخالف للدستور؟!
وهل اضطرار المواطنين لتنظيم عقودهم خارج دوائر الدولة من سجل عقاري ومحكمة وكاتب بالعدل, مخالف للدستور؟!
أم هل منع المواطنين من ممارسة حقوقهم الطبيعية بالبيع والشراء, مخالف للدستور؟!
ولعل مخالفة هذا التعميم للدستور منطلقه: التمييز بين أبناء الشعب وتثبيت تفاوتهم وعدم مساواتهم أمام القانون.. فساكن تنظيم كفرسوسة لم يعد كساكن حي الزهور.. فضلاً عن زيادة هذا التعميم للفقراء فقراً بحرمانهم من التمتع بما احترمه الدستور وفرض احترامه من ملكياتهم!
إن الدستور هو الصيانة الحقيقة للمواطنين وحرياتهم وسيادتهم..فلنعالج أية مخالفة له.. فواجب الدارسين التقصي والتمحيص, وواجبات مجلس الشعب تقتضي صيانة الدستور كما خوله ذلك الدستور.