ويستمر البحث عن الجاني..!
يتقدم شارلوك هولمز السوري في حقل الألغام، يدقق النظر عبر مكبرة يغرز وجهه فيها، ويذهل عن كل ما حوله، هو الآن يتقصى، ويدقق، ويمحص، ويفكر لمعرفة الجناة المتآمرين، ومع كل خطوة جديدة ينفجر فيه لغم جديد..
يصر النظام على الوقوع في الأخطاء ذاتها مرات ومرات، يصر على أن المطلوب هو الحل الأمني البحت، ويتعامل كعادته بانعدام ثقة تام مع السوريين، فهو يثق فيهم فقط إذا كانوا «مؤيدين» وليس أي «مؤيدين» بل على طريقته ووفقاً لمزاجه، ويسير بنا نحو «خلصت» التي تتحول يوماً إثر يوم إلى «خلصت سورية والأزمة بخير»..
يصدر النظام قوانينه وأحكامه الوضعية، ويتعامى عن حقيقة أن الحياة قد أصدرت حكمها بحقه وذهبت نحو التنفيذ. الحياة اليوم تقول: لن يستمر النظام ببنيته الحالية بل ولن يستمر ما لم تحدث فيه تغييرات جذرية، وعلتها في حكمها أن نظاماً غير قادر على أداء وظيفته لا من الناحية الأمنية ولا من الناحية الاقتصادية المعيشية، هو نظام غير قادر على الاستمرار لأن الحاجة إلى الحياة والاستمرار فيها تقتضي تغييره..
النظام الذي يزج الجيش العربي السوري في معارك شديدة الصعوبة دون أن يؤمن له الدعم السياسي اللازم، فإلى أي درك وصلنا ليس حين يسمي البعض جيشنا بكتائب الأسد، ولكن حين يتقبل بعض الناس البسطاء التسمية، هؤلاء بالنسبة للنظام خونة وعملاء ويجب التخلص منهم، فماذا إذا كانوا بمئات الآلاف وربما بالملايين؟؟
يطلق عليهم لقب جهلة ومضللين، و بعضهم كذلك. ولكن من أوصلهم إلى أقصى درجات التهميش وعبث بأرزاقهم وبوعيهم واستهتر بهم طوال عقود؟؟ أليس الفساد الكبير بوقاحته وعنجهيته وعمالته مسؤولاً عن تضليل هؤلاء؟ ويخرج المفسرون والمحللون ليفصلوا السياسي عن الأمني، ويخطّوا علماً جديداً ينسفون فيه كل أسس علم الاجتماع السياسي، وللمجتهد حقه في الاجتهاد ولكن حين تفقأ النتائج العين، فليسمح لنا «العلماء» بالعودة إلى العلوم التي أثبتت صحتها..
ولندع الكلام المباح ولنذهب إلى صلب القضية.. أن يكون النظام غير مدرك لحقيقة ما يجري ولدرجة الاختراقات الموجودة ضمنه هو احتمال، ولكنه احتمال ضعيف، وأن يكون مدركاً وهو الاحتمال الغالب، فإن استمراره بالعقلية نفسها، العقلية التي تفترض النظام بصالحه وطالحه كتلة واحدة غير قابلة للفرز، إنما يعني ضعف ذلك القسم الذي ينوي الخروج من الأزمة، ويعني فوق ذلك أن الغارغارينا تنتشر بسرعة.. ومصيبة هذا المرض في الحالة السورية ليست ذهاب النظام، فالأنظمة تأتي وتذهب، ولكن المصيبة أن تزاوج النظام مع جهاز الدولة سيطرح احتمال انهيار الدولة مع انهيار النظام، الأمر الذي يحمل الشعب السوري - الذي وإن لم يثق به النظام وإن لم تثق به «المعارضة» واعتبرته مجرد أداة للوصول إلى السلطة- يحمله مسؤولية الخروج بالبلاد والعباد من الأزمة نحو فضاء جديد..
الشعب السوري حقق الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، فهو تقريباً لا يثق لا بالنظام ولا بالمعارضة ولا بأية قوة سياسية أخرى، أي أنه لا يثق بالفضاء السياسي القديم ويدرك موته وتزكم أنفه رائحة تحلله، والشعب السوري اليوم مقبل على بناء فضاء سياسي جديد، يمثله حقيقة ويصل به إلى أهدافه..
الشعب السوري، لن يتوانى عن التصدي للمليشيات الطائفية من كل الأطراف، ولن يتوانى عن نسف كل التدخلات الخارجية، وسيبني دولته التي يستحقها