حتى لا يمسخ الحوار بتحاصص طائفي..

حتى لا يمسخ الحوار بتحاصص طائفي..


تدخل الأزمة السورية اليوم منعطفاً خطيراً جديداً، سمته الأساسية، وبكلّ أسف، تزايد التصعيد الطائفي المتبادل، وانتقاله إلى حيز القتل وارتكاب المجازر المتبادلة التي يختزلها الطائفيون إلى مجرد مجازر ترتكبها ‹‹هُم›› الطائفية ضدّ ‹‹نحنُ›› الطائفية، متجاهلين أنّ ضحاياها تتساقط من روح وجسد ‹‹نحنُ›› السّورية الإنسانية الواحدة، فيمثلون بجثثها ويدوسون كرامتها الإنسانية مراراً أثناء عراكهم الوضيع لتنازع حشر أشلائها بين أكفان ‹‹المعارضة›› و‹‹الموالاة››.

يتضح يوماً إثر آخر أنّ أعداء الشعب والوطن السوري من الجهات المشبوهة المؤكّد وجودها والمستمر دورها الفاسد والتخريبي سياسياً واقتصادياً-اجتماعياً وأمنياً بين ظهراني أجهزة الدولة السورية وداخل المجتمع، بحيث لم يعد ممكناً بحال من الأحوال التنصل من المسؤولية بعزوها إلى مجرّد ‹‹أخطاء فردية››، إضافة إلى الأطراف الأجنبية الغربية والصهيونية والعربية-الخليجية، جميعهم إنّما يدفعون الأمور في البلاد إلى مزيد من العنف والعنف المضادّ، وتأجيج نيران الفتنة الطائفية والعرقية وتوسيع رقعتها على جغرافية الوطن.

إنّ استمرار كلِّ من هذين الطرفين باستخدام ‹‹الحسم الأمني›› الخاص به لمْ يؤدِّ ولن يؤد في يوم من الأيام إلى ‹‹حماية الشعب››، بل على العكس من ذلك، إذ لم ينتج عنه سوى مزيد من الخسائر البشرية والمادية وإدامة استنزاف المجتمع السوري وضرب عوامل وحدته الوطنية والجغرافية السياسية، ومنها مؤسسة الجيش الوطني السوري.

ثمّة ما يثير الشكوك بسعي الطرفين إلى إيصال البلاد إلى نقطة حرجة تدفع السوريين تحت ترهيب العنف وترغيب الحماية منه باللجوء إلى التخندق والتقوقع ضمن كانتونات دينية طائفية وعرقية تتطابق مع مكونات ما قبل الدول الوطنية، ويُفرض من خلالها بدلاً من الحوار السياسي الوطني، حوارٌ بين أمراء الحرب وملوك الطوائف والقبائل يتحاصصون فيها السلطة تحت مسمّى‹‹الديمقراطية›› و                   ‹‹ التعددية››، في حين يكون المضمون إعادة توزيع الثروة بين الناهبين، وعلى حساب أغلبية الشعب من المنهوبين، وذلك سواء الفضاء الجغرافي السياسي للبلاد نفسه أو عبر تقسيمها إلى دويلات.

نؤكد للمرة الألف أنّه رغم ذلك وحتى الآن ليس ثمّة حلّ أقل تكلفة وأكثر أمناً من مفردات الحل السياسي المفتاحية التي ما زال واجباً المطالبة بها والنضال من أجلها، والتي باتت معروفة للجميع.. ورغم أنّ كلّ دقيقة تأخيرٍ مذبحة أخرى، نجد من يقلب صندوق الإصلاحات ويدقّ على أسفله فلا يخرج منه لا حوار وطني، ولا حكومة وحدة وطنية، ولا معتقلون، ولا مهجّرون، ولا تحسين معيشة، ولا ديمقراطية شعبية، ولا تحرير! لكن يجب أن يتذكر الجميع دائماً أنّه ولمّا كانت الأدوية الشافية لجسد وروح الشعب السوري المثخن بالجراح لا توجد ولن توجد إلا في صندوق كهذا فإنّه سوف يستمر بالبحث عنه حتى يجده، ولن يمنح ثقته إلا لمن يساعده في حمله، وسوف يُهمِل من يعجز عن ذلك، فالشعب عظيم.. إنّه يُمهِل ولا يُهمِل.