قراءة في أعمال المجلس المركزي لهيئة التنسيق الوطنية
بادئ ذي بدء، أحيّي كل الجهود المخلصة التي بذلتها قوى الحراك الشعبي في سورية؛ كل قطرة دم أريقت, كل دمعة انهمرت, كل آهة ندّت من حنجرة معتقل, كل صرخة دوّت مندّدةً بالاستبداد والفساد ونادت بالحرية والكرامة وبالتغيير الديمقراطي التعددي التداولي الجذري والشامل.
إنني إذ أقدّم ملاحظاتي إلى الرفاق المعارضين بهيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي, أقدّر مدى الصعوبات التي واجهتكم حتى توصّلتم إلى ما أنتم عليه, إلا أنني أُصبتُ بالحزن والغضب عندما قرأت بيانكم الصادر عن المجلس المركزي المنعقد بتاريخ ـا 6/10/2011.
ففي هذا البيان لفت انتباهي البندان (2 و 5)؛ فقد ذُكر في البند رقم (2): ((ضرورة استكمال وحدة المعارضة الوطنية بعد أن أضحت منضوية في إطارين أساسيين على قاعدة برنامج سياسي وتنظيمي ونضالي واضح, عماده العمل المشترك من أجل إقامة نظام ديمقراطي تداولي بديلاً للنظام القائم, كما يدعو إلى إيقاف جميع المهاترات الإعلامية والشخصية بين المنتمين إلى المعارضة, والتركيز على النضال المشترك.))
والسؤال: استكمال وحدة المعارضة مع من؟ أوَتقصدون الوحدة مع المجلس الوطني (التركي) المدعوم أطلسياً وعربياً رجعياً؟!.. وبكل أنواع الدعم اللوجستي من مال وإعلام ومواقف دولية ضاغطة.. وربما قريباً السلاح وما أدراك ما السلاح..؟
لم نكن يوماً مع شرذمة المعارضة أو الأحزاب أياً كانت إيديولوجيتها.. ولكن نحن مع وحدة المعارضة على أسس وطنية شريفة شفافة تنبذ (العنف والطائفية والتدخل الخارجي) كما كانت عناوين مؤتمركم السابق الطيب الذكر. فهل تقبل معارضة الخارج المتمثلة بالمجلس الوطني بهذه الأسس؟
نحن أيها الرفاق لسنا مع أية وحدةٍ كما يقول الشاعر سليمان العيسى:
(أطلي علينا وحدة طيف وحدة.. بريقاً سراباً كيفما شئت فاقدمي..)
ثم هل المعارضة أضحت فعلاً ((منضوية في إطارين أساسيين)) فقط؟
ماذا نسمّي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير المكوّنة من فصيلين هامّين, وعدداً لا يستهان به من الشخصيات الوطنية المستقلة ذات التاريخ العريق في النضال؟ هل عدم الاعتراف بهذه الجبهة يعني عدم وجودها؟ ألا يعتبر هذا التجاهل منكم إقصاءً للغير والذي لطالما عانت منه المعارضة سنوات طويلة؟
وتقولون في نفس البند: (إيقاف جميع المهاترات الإعلامية والشخصية بين المنتمين إلى المعارضة):
أيها الرفاق! هل يحظّر مثلاً على المنتمين إلى هيئة التنسيق الوطنية وعلى الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وعلى الشخصيات المعارضة المستقلة.. انتقاد تصريحات بعض رموز معارضة المجلس الوطني التي تدعو وبكل صفاقة ووقاحة وعدم تبصّر للمخاطر المحدقة, إلى الحماية الدولية (التعبير الدبلوماسي والمهذّب عن التدّخل العسكري الخارجي)؟
هل إذا أشرنا إلى خطورة هذا الطرح, وفضحنا من يتلقى الأموال من أغلبية المعارضة الخارجية, نكون بذلك قد أخلّينا بالعمل المشترك من أجل إقامة نظام ديمقراطي تداولي بديلاً للنظام القائم؟ هل تجميع القوى مما هبّ ودبّ من المنادية بتغيير النظام, من شرفاء وعملاء وخونة وألغام.. يسهم حقيقةً بقوة المعارضة؟
أما في البند رقم (5) والذي ينص على ((حق المعارضة, ومشروعية اتصالها بكافة القوى والهيئات من أجل شرح مواقفها, وقراءة مواقف تلك القوى والدول على قواعد احترام السيادة الوطنية انطلاقاً من أن المعارضة باتت تمثل الإرادة الشعبية, ومن واجبها تمثيل تلك الإرادة والتعبير عنها أمام جميع المحافل بشكل علني وواضح بما يخدم المصالح الوطنية.))
ففي هذه الفقرة والتي يكتنفها اللبس والغموض أقول: كيف توصّلتم على أن المعارضة باتت تمثل الإرادة الشعبية؟ هل لأن جزءاً من الشعب السوري مارس حقه بالتظاهر والاحتجاج وصادف أن انسجمت بعض مطاليبه وطروحاته مع المعارضة.. لكي نقول بأن المعارضة باتت تمثل الإرادة الشعبية؟ هل نسينا حجم الموالاة (الأقليات الطائفية والإثنية والقومية وبعض المدن الكبرى والغالبية الصامتة) بالإضافة إلى انحسار رقعة التظاهر وقلّة أعداده مؤخراً؟
برأيي أن من يمثل الإرادة الشعبية حقيقةً تحدده صناديق الاقتراع. وليس الزعم أو الإدّعاء. مع احترامي الشديد لكل أطياف المعارضة الوطنية ونضالاتها وتضحياتها.
ثم من هي القوى والهيئات والدول التي يحق للمعارضة الاتصال بها من أجل شرح مواقفها..كذا..؟ تُرى, هل يعتبر الاتصال مع السي آي أيه وحلفائها, من منظمات وقوى وشخصيات صهيونية من باب شرح المواقف لهذه الهيئات؟ وما أكثر هذه الهيئات التي تتلطّى خلف حقوق الشعوب والإنسان وما إلى ذلك..!
هل اللقاء مع (رؤساء الجمعيات الخيرية في العالم!) أوباما وساركوزي وكاميرون وميركل وحمد و.. يخدم الانتفاضة ويقرّبها من تحقيق أهدافها؟!!
مع تقديري العظيم لحسن عبد العظيم, فإنني لم أرتح للقائه مع السفير الأمريكي في دمشق.
وكنت أتمنى على مجلسكم الكريم أن يتضمّن بنداً مستقلاً يشجب فيه كافة أشكال التدخل الدولي بالشؤون السورية – وليس العسكري فقط – بل التدخل (الإعلامي والسياسي والدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية..).
كنت أتمنى على مجلسكم أن يفرد بنداً خاصاً بالمسلحين والاغتيالات التي طالت رموزاً هامة في الوطن.. فهذه الأفعال والمواقف, جميعها ليست في صالح لا المعارضة ولا الموالاة ولا الشعب برمّته بشكل عام.
كنت أتمنى على مجلسكم أن يستقبل وسائل الإعلام المحلية معاتباً قائلاً وبمنتهى الروح الديمقراطية التي ننادي بها جميعاً: لسنا مثلكم, ها نحن نرحّب بكم, ونتمنى منكم نقل الوقائع والمجريات دون تشويه يا أصحاب الرأي الواحد الأوحد. تعلّموا كيف تتقبّلوا الرأي الآخر وتحترموا وجهة نظره.
كنت أتمنى على مجلسكم أن يعلن موافقته غير المشروطة على الحوار الوطني (ولو كانت البنادق موجّهة لرؤوسكم) وتفنّدوا وتفضحوا أكاذيب النظام ومراوغاته في الإصلاح كما يتهمه الكثيرون. وتقدّموا رؤيتكم للخروج من الأزمة التي تعصف في البلاد. لأنه لا بديل عن الحوار إلا المزيد من العنف وسفك الدماء.
تحمّلون السلطة دائماً بأنها هي التي تستدرج التدخل العسكري بسبب انتهاجها للحلّ الأمني – العسكري للأزمة الراهنة.. وأنا موافق على هذا. ولكن, ألا تتحمّلون أنتم أيضاً قسطاً من المسؤولية في استدراج التدخل العسكري بمغازلتكم للقوى التي تلهث وراء هذا الطلب؟ ألا تستدرجون التدخل برفع سقف مطالبكم التعجيزية في بعضها, دون أن يكون بمقدوركم ولا حتى بمقدور النظام بتركيبته الحالية تحقيقها؟
لنعترف وبجرأة – وهذا ليس عيباً – بأن المعارضة في هذا البلد ضعيفة للأسف, نتيجة البطش والتنكيل والاعتقال الذي مورس عليها طيلة عقود.. وبالتالي, وفي ظل موازين القوى الحالية ووسط هذه الهجمة من كل قوى الاستكبار في العالم, أرى أن نصمّ آذاننا لخبثاء الخارج الطامعين في منطقتنا, ولنتكاتف يداً بيد مع القوى الحريصة في وطننا على وحدة البلد وعلى مستقبله الواعد, للخروج من هذه الأزمة وبأقل الخسائر. يجب ألا يعمينا كرهنا للنظام الاستبدادي الأمني عن حقيقة من يقف إلى جانبنا من ثعالب العربان والغربان, فالوطن يحترق والأعداء من كلّ حدبٍ وصوب يتربّصون بنا للإنقضاض علينا. ومع ذلك ويا للعجب, ترتفع بعض الأصوات مرحّبةً بتدخّل الخارج بذريعة أن المعارضة بإمكانياتها الذاتية غير قادرة على صنع التحوّل والتغيير.
أيها الرفاق! الثورة التي لا تستطيع تحقيق أهدافها إلا بالاستقواء بالخارج, هي ثورة لم تنضج ظروفها الذاتية بعد. وما عليها إلا إعادة النظر بأساليب عملها ونضالها, ومعالجة نقاط الضعف والخلل لديها, بكل صبرٍ وأناة وحكمة ولو طال الزمن.. حتى تتمكن من حشد أوسع الشرائح الاجتماعية إلى جانبها.
الخير والحرية والعدالة لوطننا ولكافة القوى الوطنية الشريفة فيه.
اللاذقية - تشرين أول 2011