الموقف الروسي من الأزمة السورية.هل هو تدخل خارجي؟
يبرز على الواجهة في أوقات الأزمات أكثر من غيرها الاختلاف حول مقولات سياسية مرتبة ضمن ثنائيات متناقضة مثل الإرهاب مقابل المقاومة، وحق الأمم في تقرير مصيرها مقابل التقسيم والتفتيت، والتدخل الخارجي مقابل التحرير..إلخ
وفي الأزمة السورية كان من الطبيعي أن تثير مواقف الأطراف الدولية المتنازعة المصالح مثل هذه الخلافات في المجتمع السوري، وبين أطراف الأزمة.
يعتبر سلوك قوة دولية ما تدخلاً خارجياً في الشؤون الداخلية لبلد آخر عندما يمسّ هذا التدخل السيادة والاستقلال الوطني لهذا البلد، أو وحدة أراضيه وشعبه. فهل الموقف الروسي من الأزمة السورية هو تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لسورية؟ ماذا كان تأثير الفيتو الروسي-الصيني لمرتين متتاليتين على الأزمة السورية؟ أولم يقف في وجه مخططات الولايات المتحدة الأمريكية والناتو لشرعنة عدوانهما الخارجي بأبشع أشكاله، وهو التدخل العسكري والقصف الجوي الذي يقدر بأنه كان سيبيد 240 ألف إنسان على الأقل إذا أخذنا بالقياس الرقمي المجرد بالمقارنة مع المثال الليبي، دون احتساب عامل الكثافة السكانية الأعلى، وخصوصية التنوع في المجتمع السوري؟
لا يمكن لأية نظرة موضوعية أن تتجاهل الفارق الكبير في علاقات سورية الدولية تاريخياً مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فروسيا لم تكن قوة استعمارية تاريخياً، وليس على أجندتها المعلنة مشاريع خارجية تفتيتية وتقسيمية تجاه دول مستقلة، كما هي حال الولايات المتحدة الأمريكية، بل على العكس، لطالما كانت روسيا التي تملك حوالي %40 من ثروات العالم، و%25 من علماء العالم محطاً لأطماع الرأسمالية وخاصة في عهد الاتحاد السوفييتي الذي انتزع شعبُه سُدس العالم من بين مخالب الإمبريالية، وساعد سدسا آخر من بلدان العالم النامي على قيام منظومة الدول الاشتراكية، فكان من الطبيعي أن يضمر الغرب الرأسمالي حقداً تاريخياً على الاتحاد السوفييتي لم يشف غليله منه حتى بعد سقوطه، ومن الطبيعي أن يعمل الغرب كل ما بوسعه لاجهاض محاولات إعادة الدور الروسي الدولي، ونتذكر هنا قول مادلين أولبرايت بأنّ الثروة الروسية أكبر من أن تظلّ في بلد واحد! ولعلّ هذا المنطق يعود إلى الواجهة اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظلّ الأزمة العظمى للرأسمالية، والتي تفتش فيها عن مخارج تعتبر أنّ أحدها تقسيم روسيا ونهب ثرواتها. وهذا قد يفسر لنا مواقف الخارجية الروسية التي وإن كانت تعكس جزئياً مطامح تنافسية هي وباقي مجموعة دول ‹‹البريكس›› لملء الفراغ المتزايد عن انحسار الدور الأمريكي في الاقتصاد والسياسة عالمياً، فإنّ هذا الدور لا يتماثل مع الدور الأمريكي نفسه، لأنّ عاملاً روسياً داخلياً وتاريخياً يلعب دوره هنا ألا وهو وجود قوى ضغط شعبية وسياسية جذرية ويسارية عريقة في روسيا تنطلق من مصالح الشعب الروسي في الحفاظ على وحدة واستقلال بلاده، وبالتالي على علاقات طيبة مع شعوب العالم وخاصة مع شعوب الشرق المعادية للإمبريالية الغربية وللصهيونية، كونها تشترك مع تلك الشعوب بأنهم معاً يقعون مباشرة تحت نيران مخططات التقسيم والتفتيت والنهب، والتي لم تكن الثورات الملونة أولها ولن يكون نشر الدرع الصاروخية الأمريكية آخرها.
إذا استثنينا عفوية الحركة الشعبية التي لجزء منها انتقاد مماثل له علاقة بربط خاطئ تقيمه بين معاناتها من القمع والفساد وبين روسيا، فإنّ نظرة إلى خريطة القوى الأكثر انتقاداً اليوم للموقف الروسي من الأزمة السورية يبيّن أنها القوى المتطرفة نفسها التي تهلل بالمقابل للتدخل الخارجي العسكري، ويصب سلوكها عموماً في مصلحة العدو الأمريكي-الصهيوني.
وتبقى أهمية الموقف الروسي ومعه مواقف بقية دول البريكس اليوم من الأزمة السورية، نابعاً من كونه يحقق توازناً دولياً معيناً في مواجهة عدوانية الولايات المتحدة الأمريكية ويعرقل مشاريعها، مما يوفر الإمكانية الموضوعية لانطلاق الحلّ السياسي الجذري والسلمي للأزمة السورية وصولا إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل كهدف حقيقي للحراك الشعبي السلمي، تلك الإمكانية التي لن تتحول إلى واقع إلا بتوافر الإرادة الذاتية لدى الوطنيين من أجل تحويلها إلى واقع يجلب تغييراً وطنياً حقيقياً لمصلحة الشعب والوطن.