أنماط جديدة من الحروب (سورية نموذجاً)
ايغور بوبوف ايغور بوبوف

أنماط جديدة من الحروب (سورية نموذجاً)

لا يجوز النظر إلى الوضع في سورية بمعزل عن تطور الوضع الجيوسياسي في العالم، أو بمعزل عن الأهمية الاستراتيجية الخاصة لمنطقة الشرق الأوسط. ومن الواضح أن لا أحد يستطيع الزعم بأن الصراع الجيوسياسي قد اختفى على الساحة الدولية

ترجمة : حمزة منذر

وعلى ضوء هذا المدخل يبقى هدف الغرب الجيوسياسي تحقيق الهيمنة على رقعة الشطرنج الدولية وتأمين مصالحه دون سواه.
من وجهة نظر الغرب يمكن تحقيق هذا الهدف عبر إلغاء وتدمير وإضعاف المصالح الجيوسياسية للخصوم عبر استخدام كل أدوات القوة بما فيها العسكرية عند اللزوم، حيث الشكل الأكثر فعالية لاستخدام القوة العسكرية هو الحرب.
إضافة إلى أن مضمون وطبيعة وخصائص الحرب المعاصرة تختلف بشكل مدهش عن النماذج والوسائل المستخدمة في الحروب التقليدية في الماضي.
يمكن الحديث اليوم عن بروز نموذج جديد من «الحروب غير الدامية» والتي يقودها الغرب بحجة الوصول إلى أهدافه الجيوسياسية.
يتحدث الخبراء في الغرب الآن عما يسمى بحرب «الفوضى المتحكم بها». والسؤال ماذا تحمل من عناصر الاختلاف عن الحروب التقليدية؟
في جوهر هذا «المصطلح» تكمن الحقيقة المخفية ألا وهي تدمير الدولة ــ الضحية، والتي يجري اختيارها بعناية من الغرب.
يدخل ضمن مفهوم «التدمير» القيام بمجموعة من الخطوات لتحييد الدولة الهدف أو الضحية المطلوبة جيوسياسياً وبالتالي تفكيكها وفق سلسلة عمليات متوالية تتعلق بـ المساحة، وعدد السكان، الإمكانات الاقتصادية والقوة العسكرية... إلخ.
حسب وجهة نظر الغرب تتيح «حرب الفوضى المتحكم بها» للدولة الاستعمارية فرض شروطها على الدولة الأخرى. وانطلاقاً من ذلك تصبح تلك الحرب أقل تكلفة على الغرب وأكثر فائدة له.
عند بدء الحرب المخطط لها ضد بلد ما يجري تغييب كلي لدوره ومصالحه الاستراتيجية أمام الرأي العام المحلي والعالمي عبر حرب إعلامية- نفسية قذرة تعتمد كل وسائل التضليل والخداع وهكذا تصبح الدولة المستهدفة منخرطة في الفوضى وتبقى الدولة فترة طويلة لا تدرك حقيقة ما وصلت إليه وتلجأ إلى حل المشاكل الناشئة بوسائل نمطية.
قد تستمر الحرب فترة غير محددة من أيام وأشهر إلى سنوات عدة ويزداد خطرها مع الوقت. كما يجري فيها استخدام كل الوسائل بدءاً من الأشكال غير العنفية وصولاً استخدام القوة العسكرية. ولكن القوات العسكرية المسلحة للبلدان التي تشن «حرب الفوضى المتحكم بها» غالباً ما تلعب دور المساعد عندما لا يكون التدخل المباشر ضرورياً. تمر الحرب الآنفة  الذكر بثلاث مراحل:
تأرجح الوضع بين الأزمة والمشكلة داخل الدولة في البلد ــ الضحية.
انحطاط، إفلاس وأخيراً التحول إلى دولة فاشلة.
دخول الغرب ليلعب دور المنقذ، ثم تغيير السلطة السياسية.
بالاعتماد على الوثائق الميثاقية للقوات المسلحة الأمريكية «يحق لواشنطن» التدخل العسكري عندما تصل الدولة المستهدفة إلى «مرحلة الدولة الفاشلة» وعند الضرورة يحق للقوات المسلحة القيام بالتدخل، ثم العمل على إعادة «الاستقرار»!!
لاشك أن المرحلة الأولى من الفوضى هي الأكثر تعقيداً وخطورة، وحسب نتائجها وتداعياتها يتعلق مصير الدولة ــ الضحية.
الضربة الأهم في تلك المرحلة يجري توجيهها ضد الاستقرار والأمن. وأثناء ذلك يتطور الوضع باتجاه سيناريو واحد وعام:
يتكون في داخل المجتمع استياء عام، تتشكل معارضة سياسية مواكبة لذلك، تظهر الأزمة السياسية الداخلية، تنتقل المعارضة إلى التمرد، يزداد تعقيد الوضع في جهاز الدولة، ثم تسود الفوضى في البلاد.
على ضوء التحليل النظري للحرب في سورية سنحاول صياغة بعض الاستنتاجات والدروس التي لها علاقة بروسيا الاتحادية والتي من الوجهة الجيوسياسية كانت وما زالت وستبقى خصماً للغرب. إن تدمير روسيا من الناحية الجيوسياسية لا يعني تدميرها ديمغرافياً أو احتلال بعض أراضيها وثرواتها. لكن هدف الغرب إزاء روسيا يبقى هو هو: تقسيم روسيا الفدرالية كدولة موحدة وخلق ما يسمى كيانات مستقلة على الجغرافيا الروسية.
يعتقد بعض بلدان الغرب أن هذا الهدف ممكن التحقيق عبر «حرب الفوضى المتحكم بها» والتي جرى تجريبها في ليبيا والآن تجري محاولات تطبيقها في سورية.
يجب الإشارة هنا أن حرب الفوضى غير معترف بها من وجهة نظر العلوم العسكرية لدينا في روسيا.
من مداخلة الدكتور إيغور بوبوف في الطاولة المستديرة التي أقامها «مركز المراقبين العسكريين المستقل» في موسكو.
إن بناء المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة وبكل أنواعها في روسيا قائم ومصمم على أساس المواجهات والحروب الكبرى التقليدية.
ولكن في الغرب جرت أبحاث كثيرة- من الناحية النظرية- حول حرب الفوضى، أما على المستوى العملي فقد جرّب الغرب تطبيقها في أماكن مختلفة من العالم. إضافة إلى ذلك لم يتقدم أحد في العالم للآن بنظرية معاكسة «لحرب الفوضى المتحكم بها».
لذلك هناك ضرورة قصوى لصياغة نظرية علمية وشاملة لمنع قيام الثورات المصنعة والزائفة. وهذا يتطلب إجراء أبحاث جدية وعميقة حول الدروس الجيوسياسية والعسكرية التي أودت بـ «يوغوسلافيا» إلى الدمار والتفكك. كذلك لابد من تحليل موضوعي عميق للدروس المستفادة من «الثورات الملونة» ومن «الربيع العربي» كما لابد من دراسة تجربة ودروس الحرب في سورية.

آخر تعديل على الخميس, 27 آذار/مارس 2014 12:56