تجاذبات «جنيف» ومصلحة عموم السوريين..!
لايزال الهدف الأوحد لواشنطن من وراء طريقة تشكيل «وفد المعارضة السورية» إلى «جنيف2» بذهنيته وبالطريقة التي أنجز بها إلى الآن هو وصول المؤتمر إلى حائط مسدود، وعرقلة أي حل سياسي جدي للأزمة السورية عبر ذلك المؤتمر الدولي الذي تريد أمريكا «وأده دون أن يجرؤ أحد على دفنه»، كما بات يقول البعض من أطراف المعارضة، وكما يروق لبعض أوساط النظام تلقفه والمتاجرة به.
ويبدو واضحاً في تحضير الجولتين السابقة والحالية من جنيف أن الولايات المتحدة عندما توكل مهمة «توسيع وفد المعارضة» إلى مندوبها «رئيس ائتلاف الدوحة»، إنما تمنع قيام ذاك التمثيل الحقيقي، متعدد الأطراف- إن لم نقل متعدد الوفود- للمعارضة السورية، وفي مقدمتها الداخلية منها. وإن هذا السلوك الأمريكي إنما يستند، من منظور المؤسسة الأمريكية، إلى فكرة بسيطة مفادها أن استعصاء جنيف سيعيد على طاولة البحث مخطط التدخل العسكري المباشر تحت ذرائع مختلفة، أهمها استعصاء الحل السياسي وحتى فشله، في وقت تتعمق فيه المشكلة الإنسانية وما تتطلبه من إغاثة شاملة، ذات الأهمية البالغة بالنسبة للمواطن السوري العالق في دوامة القتل والجوع.
وإن كانت تريد واشنطن من خلال «إعدام جنيف» إدامة الاشتباك بسورية لاستنزافها وإحراقها من الداخل أكثر، وإن كانت تطمح من خلال التلويح بالتدخل العسكري المباشر إلى إحداث تغيير قسري في ميزان القوى الميداني على الأرض السورية، ولو عبر مسودات قرارات جديدة لها تُطرح على مجلس الأمن، فإنها وبحكم إدراكها لميزان القوى الدولي الفعلي تضغط باتجاه إنجاز «صفقة دولية» خاصة بسورية من خلال جنيف، وهذا ما يفسر دعوة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لوجود واشنطن وموسكو على طاولة تفاوض وفدي «النظام» و«الائتلاف» بجنيف حالياً، أي تحول المؤتمر من «إطار دولي» لحوار سوري- سوري إلى إطار لـ«مساومة دولية» بشهود زور سوريين، وهو ما رفضته موسكو بشدة بلسان مساعد وزير الخارجية الروسية، الذي شدد على أهمية لعب دور الرعاية الدولية لا أكثر، في وقت دفعت به الدبلوماسية الروسية بمشروع قرار آخر، تصفه بالأكثر توازناً، إلى مجلس الأمن.
وانسجاماً مع هذه الرؤية الروسية مقابل السلوك الأمريكي المعرقل يمكن تفسير الاستياء الذي عبر عنه وزير الخارجية الروسي، الذي رفع من نبرة بلاده تجاه محاولات وقف جنيف أو إخراجه عن سكته، ضمن سعي موسكو الحثيث لحلحلة المشاكل الموجودة بتركيبة الحضور على طاولة جنيف، وبالتالي تعديل شكل وطبيعة التجاذبات والتباينات، للوصول إلى حل سياسي ناجز للأزمة السورية.
وبغض النظر عن أنه لا يمكن للمواطن السوري أن يتوقع من وفد ائتلاف الدوحة أن يحمل ما لا تسمح به أجهزة التحكم الأمريكية والإقليمية التابعة، وبغض النظر كذلك عن أن متشددي النظام وفاسديه، وكل أمراء الحرب في الداخل والخارج، هم غير معنيين لا بجنيف، ولا بحل حقيقي للوضع الكارثي العاصف بسورية، وتراهم مستعجلين ومرحبين بإفشال جنيف لضمان «سير أعمالهم»، فإن المؤتمر لا يزال قائماً، وتنتظره جولات أخرى، وهو الإطار الوحيد المتوافر اليوم لإنهاء معاناة السوريين. وإن المطلوب من كل القوى الوطنية السورية، أينما كانت مواقعها، هو الضغط لبحث كل النقاط الموجودة على جدول أعمال جنيف دون وضع سلم أولويات لها بشكل تعسفي، على اعتبار أن المصلحة الفعلية لعموم الشعب السوري تتمثل في أن يخرج جنيف2 بقرارات واضحة لوقف التدخل الخارجي بكل أشكاله، ووقف العنف أياً كانت أطرافه، وإطلاق العملية السياسية السورية، وهو ما يكفل بمجمله وتسلسله قيام مكافحة جدية للإرهاب أياً كان مصدره.