«التشدّد ـ الاعتدال» في قاموس أمريكا
للمرّة الثانية، يرد وصف «معارضة سوريّة معتدلة» على لسان المسؤولين الأمريكيين. المرّة الأولى أشير بالوصف إلى رئيس أركان «الجيش الحرّ» سليم إدريس، قبل نحو نصف عام، وهذه المرّة جاء الوصف على لسان وزير الخارجيّة جون كيري، ليشير عبره إلى «الجبهة الإسلامية السورية»، القريبة من القاعدة فكراً وممارسةً. وليؤكّد من خلال ذلك على أن «الاعتدال» في القاموس الأمريكي، ليس سوى تمثيل المصالح الأمريكية.. على غرار «الأنظمة العربية المعتدلّة»
أعلن وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري عن نيّة بلاده لقاء ممثلين من «الجبهة الإسلامية السورية»، التي تتكون من كبرى فصائل المعارضة المسلّحة، على الأراضي السورية، كـ«جيش الإسلام»، و«أحرار الشام» و«ولواء التوحيد» و«صقور الشام» وغيرها. وبحسب كيري فإن «جهوداً تُبذل حالياً لتوسيع قاعدة المعارضة المعتدلة في مفاوضات جنيف2»، في إشارة منه إلى أن الولايات المتّحدة ترى في تلك الفصائل قوىً «معتدلة»، يمكن للغرب أن يرعاها، ويفسح المجال لمشاركتها في جنيف2، إلى جانب ائتلاف الدوحة، المقرّر مشاركته مسبقاً في المؤتمر المذكور.
وليست هذه هي المرّة الأولى التي تحدّد فيها أمريكا جهةً «معتدلة»، يرعاها الغرب، ففي منتصف شهر حزيران من العام الحالي، عندما كان الأمريكيون يبحثون خطّة «لتسليح المعارضة في سورية»، جرى اختيار سليم إدريس، قائد أركان «الجيش الحر»، كمعارضة معتدلة، أمريكياً، ينبغي ضمان وصول السلاح إليها. وفي كلتا المرّتين كانت «جبهة النصرة» هي جملة المقارنة، كطرف متشدّد، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وذلك بعد إدراجها على قائمة الإرهاب الأمريكية، قبل نحو عام ونصف. إلا أن وصف «الجبهة الإسلاميّة» بالمعتدلة، قطع الطريق على كل الشكوك بأن مقياس الإدارة الأمريكية، بمسألة الاعتدال أو التشدّد، لا يجري على أساس الأرضية الأيدلوجية، أو ممارسات هذا التنظيم أو ذاك، بل بقدرته على تمثيل مصالحها على الأرض، على غرار الأنظمة العربية «المعتدلة»، فالسعودية وقطر، على سبيل المثال أنظمة معتدلة، من وجهة نظر الأمريكيين، بالرغم من أنهما بالذات من يدعم «جبهة النصرة» إلى جانب «الجيش الحر» و«الجبهة الإسلامية» وغيرهما.
«الإخوان» والقاعدة : وحدة «التشدّد والاعتدال»
يأخذ نجم «الجيش الحر» بالأفول شيئاً فشيئاً، في الخطاب الأمريكي، ليأخذ معه ائتلاف الدوحة. فكلما دخلت الأزمة السورية في منعطف جديد تتغيّر الجهات المدعومة على الأرض، فمع انتفاء إمكانية التدخّل العسكري في سورية، لمصلحة الحل السياسي، انتقل مركز الثقل من مجلس إسطنبول إلى ائتلاف الدوحة، بقرارٍ من هيلاري كلينتون، قبل نحو عام. ومع الوصول إلى استحقاق جنيف2، أصبح التركيز الأمريكي ينصبّ أكثر فأكثر على مسلّحي الداخل، الأكثر نفوذاً على الأرض، بعدما أعاق سياسيو الائتلاف مسار الحلّ، من خلال مزايداتهم المتكرّرة على معلمهم الأمريكي، من رفض الذهاب إلى جنيف، إلى وضع الشروط التعجيزية مقابل انعقاده. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى محاولة تمثيل مسلّحي الداخل بدون وساطة، أو بأقل وساطة ممكنة.
وبالرغم من تبدل الأدوات الأمريكية المستمر، يبقى هناك طرفان على درجة عالية من الثبات، كما يظهر مجرى الأحداث، الأول: هو الإخوان المسلمين، الذين شكّلوا نسبة عالية من مجلس إسطنبول، ثم من ائتلاف الدوحة، واليوم من مكوّنات «الجبهة الإسلامية»، وبالأخص في «الألوية»، (الإسلام في ريف دمشق والتوحيد في حلب). أما الثاني : فهو القاعدة، ممثلة بتنظيماتها الثلاثة في سوريّة، النصرة وداعش والكتيبة الخضراء. وبالأخص «جبهة النصرة»، التي لم يتوقف عنها الدعم الخليجي، القطري بشكل أساسي، بضوء أخضر من الولايات المتّحدة. وحقيقة العلاقة التي تجمع ما بين هذين الطرفين، «المتشدّد-المعتدل» أمريكياً، هي في أنهما يكملان بعضهما بعضاً، فالمتشدّد يصنع من الآخر معتدلاً، والعكس صحيح.