هكذا نحن.. ثوريون حقيقيون!

هكذا نحن.. ثوريون حقيقيون!

تحت هذا العنوان نشرت صحيفة «غازيتا رو» الروسية في 19/11/2013 لقاءً أجرته مع أمين حزب الإرادة الشعبية، وعضو قيادتي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وائتلاف قوى التغيير السلمي، المعارضين في سورية، أكد خلاله على أن هذه القوى تسعى لعقد مؤتمر جنيف بأسرع وقت ممكن بوصفه الطريق الوحيد الممكن لوقف نزيف الدم المجنون في البلاد. وفيما يلي نص المقابلة:

ترجمة : قاسيون

أنتم تزورون موسكو بشكل دوري وتلتقون بالدبلوماسيين الروس، ماهي المواضيع التي تبحثونها؟
نبحث طرق الخروج من الأزمة في سورية، والتحضير لمؤتمر «جنيف2» ومواقف أطراف المعارضة كافة. نحن نصر على عقد «جنيف-2» بأسرع وقت ممكن لأن هذا هو الطريق الوحيد الممكن لوقف نزيف الدم الذي أخذ نطاقاً مجنوناً.
إذا استمر الوضع على هذا المنوال فستكون هذه واحدة من الكوارث الإنسانية النادرة التي لها جذور سياسية، لذلك فإن «جنيف» هو ضرورة لأن جنيف يعني بالمقام الأول وقف التدخل العسكري الخارجي في شؤون سورية.
إن الوضع في سورية يزداد تعقيداً بسبب المقاتلين الأجانب الذين وحسب إحصائيات مختلفة أصبح عددهم يتراوح بين 20-40 ألف مقاتل وهم مدربون بشكل جيد ولهم خبرة في القتال ويصلون إلى سورية من عشرات بلدان العالم، من الصين إلى إسبانيا.
ويبدو هذا الشيء شبيهاً بالفاشية الجديدة، لأن هؤلاء المتطرفين في سورية يقطعون الرؤوس ويأكلون القلوب وهذا مماثل لما كان يتم في غرف الغاز إبان  الفاشية.
قلتم في مقابلات سابقة لكم إن 90% من السوريين لا يأخذون بوجهة نظر لا النظام ولا المعارضة المسلحة.. دعنا نتخيل الاحتمال المتفائل بأن «جنيف» سيعقد، وستجلس السلطة والمعارضة على طاولة المفاوضات فأين سيكون مكان أولئك الذين يشكلون 90% من السوريين؟
إن الحل السياسي ضروري، وعدا عن هذا فإنه من واجب السوريين أن يتحدوا بغض النظر عن مواقفهم، سواء مع النظام أم ضده، سواء أكانوا مسلحين أم دون سلاح، عليهم أن يتحدوا ضد الأجانب والمرتزقة.
يجب أن تتحول الحرب الدائرة في سورية الآن إلى حرب وطنية كبرى من أجل الحفاظ على استقلال ووحدة الأراضي السورية.
وإذا اتخذ المجتمع الدولي قراراً بضرورة القضاء على الإرهاب الذي ظهر في سورية بسبب دعم القوى الخارجية فإن هذا سيساعدنا كثيراً.
وهذه يجب أن تكون الخطوة الأولى نحو إغلاق قنوات دعم هذا الإرهاب وعندما يحدث هذا فنحن سنتكفل بالقضاء على الإرهابيين.
إن الحدود السورية التي تمتد إلى آلاف الكيلومترات هي من الناحية العملية حدود مفتوحة، والناس والمسلحون والأسلحة والأموال وكل هذا يجتاز الحدود، فكيف يمكن في مثل ظروف كهذه وقف الحرب؟
يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ على عاتقه الالتزام والتعهد بالقول: كفى!! نحن لن نسمح بعد الآن للقوى الإقليمية، تركيا والسعودية، بتمويل ودعم الجماعات الإرهابية.
يجب الاتفاق على الشكل التالي: أنتم تقومون بوقف التدخل الخارجي ونحن نعد بحل الأمر بين السوريين بالوسائل السياسية. هذا هو جوهر «جنيف» وهكذا أنا أفهمه، لا أكثر ولا أقل.
المعارضة الخارجية والداخلية تدعو إلى حكومة انتقالية وانتخابات جديدة، ولكن يقاتل ضمن صفوف المسلحين- منذ فترة طويلة- مجموعات إرهابية مرتبطة «بالقاعدة»، وعليه  ألا تبدو  كلمات مثل «الانتخابات»، «حكومة انتقالية» غريبة في هذا السياق؟
يجب التحدث مع أولئك الذين يدعمونهم ويمولونهم لذلك فإن مؤتمر جنيف مهم جداً وضروري.
القوى الدولية، أي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية سيقولان للقوى الإقليمية: كفى، أنهوا اللعب، سننتقل إلى نظام إحداثيات جديدة.
إذا تمكنا من حل هذه المشكلة فسيكون لدينا لاحقاً مخرجان اثنان من هذا الوضع مع المرتزقة الأجانب، إما أن يخرجوا بأنفسهم أو سنضطر إلى طردهم بأنفسنا.
ولكن إلى جانب قوات الأسد يحارب مقاتلون من «حزب الله»..؟
لا أحد ينكر ذلك، وحزب الله اعترف بذلك، ولكن هذه مسألة أخرى. بداية جاء إلى جانب المعارضة المسلحة المتطرفون من كل حدب وصوب، وفقط بعد هذا أتى حزب الله لمساعدة الجيش السوري. ونحن ضد أي شكل من أشكال التدخل العسكري الخارجي، وعلى الجميع أن يغادر سورية، وكما يصرحون في «حزب الله» نفسه فإن هدفهم ليس سورية، بل مهمتهم الدفاع عن الحدود الجنوبية للبنان ضد «إسرائيل».
- أنتم قلتم في أحد تصريحاتكم بأنه لم يكن في سورية أبداً انتخابات حرة، ماذا تعتقدون لو تمكن النظام والمعارضة من الاتفاق حول ضرورة إجراء انتخابات جديدة حرة في المستقبل القريب، فمن سينتخب الشعب السوري؟ ماهو احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة كما حدث في مصر؟
لم يكن في سورية انتخابات حرة لأنه كانت هناك المادة الثامنة من الدستور القديم التي نصت على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع.
نحن قمنا بتعديل الدستور (في الاستفتاء الذي جرى في شباط 2012م). والآن المادة الثامنة أصبحت مختلفة وتضمن التعددية في النظام السياسي.
لكنني أقول لكم بصراحة إن الانتقال من المعادلة السابقة إلى المادة الثامنة الجديدة وتطبيقها على أرض الواقع بحكم القانون، أي وضعها موضع الممارسة العملية، هما شيئان مختلفان. إن القضية هنا ليست مجرد نوايا بل تتعداها إلى العادات والخبرة وتراكم التقاليد وكل هذا غير موجود الآن في سورية.
طبقاً للدستور القديم كان يتم انتخاب الرئيس بالتزكية عبر الاستفتاء، في حين أن الدستور الجديد يلزم بأن يكون في الانتخابات الرئاسية أكثر من مرشح، مرشحين اثنين على الأقل، وهذا يعني بأنه هناك متغيرات وبأنه يمكن أن يتغير شيء.
حتى الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت بعد إقرار الدستور الجديد لم تختلف عن الانتخابات السابقة بفعل القصور الذاتي.
فقط النضال الديمقراطي للشعب السوري سيحقق الانتخابات الديمقراطية، ولا يجب أن نخاف من الشعب، حتى ولو أخطأ، فهو قادر على تصحيح أخطائه.
- ماهي تنبؤاتكم في حال لم يتم عقد «جنيف»؟
ستتعمق الأزمة الإنسانية في سورية وسيتجاوز عدد الضحايا مليون شخص. لذلك لو نحن نريد الخروج من الأزمة فلا يوجد أي بديل عن «جنيف2».
- في مقابلتكم مع صحيفة نيويورك تايمز قلتم بأن هدف المعارضة المعتدلة والتي تنتمون لها هو «جعل الأغلبية الحالية أقلية»...
نعم، لأني كنت أقصد بأن هدفنا جعل سورية ديمقراطية، والديمقراطية تعني تحول الأغلبية إلى أقلية، وتحول الأقلية إلى أغلبية.
ولكن هدفنا لو نتكلم بشكل جدي الآن هو التغيير الجذري في الدولة والمجتمع وذلك عن طريق التفكير بالطرق السلمية لحل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إن شعار «إسقاط الرئيس» هو دون شعاراتنا، لأن شعاراتنا أعمق: نحن نريد تغيير النظام. وبعد تغيير النظام دع الشعب يقرر من يريد. ولقد تم خلع الرؤساء في تونس ومصر ولكن بقيت الأنظمة. والنظام من وجهة نظر اقتصادية هو وسيلة لتوزيع الثروات، ومن وجهة نظر اجتماعية هو مستوى العدالة الاجتماعية، ومن وجهة النظر السياسية هو درجة التعبير عن إرادة الشعب وتحويلها إلى واقع.
هذا نظام ثلاثي الأبعاد، تغيير الدولة، تغيير المجتمع، تغيير العلاقة بينهما- نحن ثوريون حقيقيون.
عند بداية النزاع في سورية، اعتقد الكثير من المراقبين بأن نظام بشار الأسد سينهار بسرعة كبيرة، ولكن تطورات الأحداث دحضت هذه التوقعات، فأين تكمن قوة النظام؟
إن حجم الدمار والضحايا ليس دليلاً على القوة. وإن من راهن على انهيار النظام خلال أسابيع أو أشهر عدة هم جداً قصيرو النظر، لأن سورية تختلف عن العراق أو ليبيا:
أولاً الجيش الحكومي موحد بسبب وجود أراض تحت الاحتلال الإسرائيلي، أي يوجد هنا هدف يوحد القوات المسلحة، ألا وهو مرتفعات الجولان، وهذا هدف وطني.
ثانياً، التركيبة السورية معقدة من الداخل، فهي ليست مصر حيث 85% من السكان مسلمون، وهي ليست تونس حيث 100% من السكان مسلمون.
سورية هي كما سفينة نوح، لذلك لا أحد يستطيع أن ينتصر، ولا أحد في سورية يمكن أن يكون أغلبية مطلقة.
- لماذا تطالب بلدان الخليج العربي برحيل بشار الأسد، حسب اعتقادكم؟
هذه طلبية سياسية...! فعندما يستهدفون بشار الأسد فهم يستهدفون سورية كوحدة جيوسياسية، أي أنه بدأت تعمل منظومة (شخصنة) الصراع كما حدث في العراق وليبيا.
في بعض الدوائر فإن شخصنة الصراع يسهل الوصول للهدف الاستراتيجي الرئيسي ألا وهو انهيار البلاد، وأنا أقول لهم إن القضية في سورية أعقد من قضية الرئاسة، أي أن كل شيء في سورية أعمق وأعقد بكثير.
بات معروفاً منذ أيام أن الأكراد الذين يشكلون 10% من السكان شكلوا حكومة مستقلة انتقالية مؤقتة، فحسب رأيكم هل يبرز ذلك خطر تفكيك سورية كدولة؟
نظرياً، نعم! هذا الهدف موجود على جدول عمل القوى الغربية. منذ 70 عاماً جرت أول محاولة لتقسيم سورية، وفشلت فشلاً ذريعاً. الآن يتكرر بالضبط ما خطط له الفرنسيون من 70 سنة، أي خطة تقسيم سورية إلى خمس دول.
اليوم، الأكراد لم يشكلوا حكومة مستقلة انتقالية بل إدارة ذاتية محلية تعمل على حل مشاكل الناس الأكثر إلحاحاً ومثل هذه الإدارات موجودة في كل سورية وليس فقط عند الأكراد.
إن انحلال الدولة لن يحدث، لأن نمط تفكير الشعب السوري ومستواه التعليمي وخبرته بالنضال السياسي لن يسمحا بذلك.
- اتسمت العلاقات الدولية الأمريكية في السنوات الأخيرة بالاضطراب، وبعض المراقبين ذهبوا بعيداً، وتحدثوا عن العودة إلى سنوات «الحرب الباردة»، ولكن في أيلول الماضي وبشكل مفاجئ للجميع اتفقت روسيا وأمريكا على تدمير السلاح الكيميائي السوري...؟
لأنه يتعين عليهم مواجهة الطاعون الجديد المتمثل بالفاشية الجديدة. ألا تعتقدون بأن تقارب روزفلت مع ستالين شكل أيضاً مفاجأة، في حينه؟
لقد اتهموا روزفلت حينها بالشيوعية لأنه تقارب مع ستالين. ولكن روزفلت فهم آنذاك ماذا تعني الفاشية الألمانية. الآن في الولايات المتحدة الامريكية يوجد سياسيون عقلاء يفهمون ماذا تعني الفاشية الجديدة والتي يجب إيقافها.