افتتاحية قاسيون 623 : الرّهان على المستقبل..

افتتاحية قاسيون 623 : الرّهان على المستقبل..

تستمر الأوساط المتشددة في الطرفين المعومين للصراع السوري، مع اقتراب «جنيف»، في رهانها على الماضي.. .      

فلجهة متشددي النظام، يتم تقديم «دعاية ديمقراطية» حول ضرورة استشارة السوريين في الذهاب إلى جنيف مرفقة بحجم كبير من التشكيك بجدواه إن عقد، وحتى بانعقاده من الأساس. وتتراوح مواقف الجهة المقابلة من متشددي المعارضة السياسية بين الرفض العلني، وبين التشكيك بالجدوى، وبين القبول مع اشتراط غير مباشر لحضور دول خليجية بعينها للمؤتمر باعتبارها «ضامناَ».. وتستند مجمل مواقف المتشددين إلى رؤية خاطئة لكل من التوازن الدولي ونتائجه الإقليمية والداخلية من جهة، وللمزاج الجديد لدى أغلبية السوريين الراغبين بالخروج من عنق الزجاجة والراغبين بتغييرات حقيقية وجدية، من جهة أخرى.
فإذا كان انعقاد «جنيف-2» بغض النظر عن مكانه الجغرافي فعلياً، والقادم كضرورة حتمية، هو تعبير عن عجز السياسة الأمريكية في تحقيق أهدافها في سورية، وبحثها بالتالي عن تسوية تمكنها من تحصيل القليل الممكن، فإن ما ينبغي الانتباه إليه هو أن «واشنطن» لن تقف في عجزها عند هذا الحد، بل هي ماضية إلى المزيد منه ومن التراجع، ما سينعكس تقهقراً للجهات والقوى والدول المتحالفة معها سياسياً، وأيضاً لأولئك المتحالفين معها موضوعياً بمعنى التوجه الاقتصادي- الاجتماعي الليبرالي، وإن بشكل غير معلن.
إن تركيز المتشددين على كل ما من شأنه أن يعيق جنيف، أياً كانت الحجج والذرائع الظاهرية التي يبررون من خلالها تخوفهم أو عدم ثقتهم بجدواه، إنما يعكس في جوهره عدم امتلاكهم أية برامج حقيقية، سواء لحكومة الوحدة الوطنية المقبلة أو لكيفية إدارة المرحلة الانتقالية أو لشكل سورية المستقبل، ويعكس لدى جزء من هؤلاء خشية عميقة من خسارة موارد النهب القديمة أو المستجدة التي خلقتها الأزمة، وهم لذلك لا يراهنون على المستقبل ولكن على الحاضر الذي يتشبثون به بأقصى طاقاتهم..
ينبغي هنا إعادة التأكيد على أن لمؤتمر جنيف من حيث الجوهر ثلاث مهام أساسية متسلسلة ومترابطة، هي: إيقاف التدخل الخارجي بكل أشكاله، ووقف العنف من أي مصدر كان، وإطلاق العملية السياسية السلمية، وله مبدأ واحد أساسي هو الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً. ولذلك فإن رافضي جنيف ومعرقليه والمتلكئين تجاهه سواء من المراهنين على «قوة» أمريكا أو من المراهنين على استمرار نهبهم عبر استمرار «إحراق سورية من الداخل»، أو من المراهنين على الانقسامات الثانوية ضمن المجتمع السوري إنما يراهنون على الماضي أو الحاضر في الوقت الذي يتجه فيه فهم حركة التوازن الدولي المستمرة، واستيعاب التحول العميق في مزاج السوريين نحو  مصلحتهم بالذات، باتجاه الرهان على المستقبل..

إن الرهان على المستقبل يتطلب منطقياً من كل من يدعي الوطنية السورية في الداخل والخارج العمل الدؤوب والمخلص على كسر جميع الانقسامات الثانوية من طائفية وقومية ومن «معارضة» و«موالاة» وغيرها، باتجاه توحيد صف السوريين في وجه الأعداء الخارجيين وامتداداتهم الداخلية من قوى النهب والفساد والتكفير- الرافضين عملياً للحل السياسي- على أساس برامج عمل لاحتواء التحولات المترتبة على جنيف، ولاسيما استقطاب الخائفين،  أو المترددين حيال العملية السياسية. فإذا كان التغير يسير موضوعياً، فعلى القوى الوطنية السعي للتغيير، أي محاولات التحكم باتجاهات التغير لتكون صعوداً وإلى الأمام