(الداعشية) ومن وراءها
يلاحظ في الأسبوعين الفائتين بخاصة سعي إعلام البترودولار ورأس المال المالي العربي، في بثه لأخبار «داعش»، تركيزه على تبرير ممارساتها الإرهابية، بتصويرها على أنها نوع من «خلافات رفاق السلاح»، أو«صراع على الغنائم»
وتسويقه لتبريرات الداعشية على أنها إنما تردّ «دفاعياً» على اعتداءات عليها من جانب اللاداعشيين الآخرين؛ ذلك أنّ تقسيم البشر والعالم بالنسبة للداعشية هو تماماً كما كان بالنسبة للفاشية، و«البوشية» الأمريكية، إمّا معنا أو ضدّنا.
يحاول هذا الإعلام نفسه اللجوء إلى مزيد من اللاعقلانية في «التحليل»، الغرض منها ليس التحليل بل تحويل الأنظار، وتغطية الفرز الموضوعي الجاري بين البنادق المختلفة والمتشابكة على الأرض السورية، لأنهم يعرفون تماماً أنّ موجة سعار الداعشية الأخيرة هذه، وعدوانيتها وإجرامها ضدّ جميع السوريين دون استثناء، مدنيين وعسكريين من الجيش العربي السوري، ومسلحين آخرين محسوبين على النظام أو المعارضة، إنّما هو الشكل الأبرز ظهوراً اليوم، لمحتوى التناقض المتزايد في نضجه بين أبناء الشعب السوري الساعين نحو الحل السياسي لأزمة بلادهم، والراغبين منذ زمن في توقف الحرب والدماء والدمار، من جهة، وبين الشرائح الطبقية الاجتماعية المتخندقة في صف مصالح الإمبريالية المأزومة، التي أينعت للسقوط على ما يبدو رؤوس أموالها غير الإنتاجية قبل المنتجة، والمتضررة مثلها من أي تقدم للحل السياسي، والمستفيدة مثلها من استمرار كلّ شظية وقطرة دم في جسد الشعب السوري.
ويبدو ذلك منطقياً أكثر على ضوء فهم الحقيقة العلمية حول أنّ القوى الطبقية المحركة للداعشية كفاشية جديدة هي قوى رأس المال المالي الإجرامي، التي ربما تحتاج اليوم إلى مزيد من التفصيل والاستيضاح والتحديد والتسمية بوصفها العدو الأول ليس للشعب السوري وكادحيه فحسب بل ولجميع الشعوب والكادحين في المنطقة والعالم ، لأنّ مستوى تمركز وعولمة رأس المال اليوم، أعلى منه في المراحل التاريخية السابقة التي ظهرت فيها النسخ الأولى من الفاشية.
في ظهور أو تفاقم الداعشية، ما هو مثلاً دور البرجوازية السورية المضاربة برأس المال المالي وغير الإنتاجي، وأشباهها من قوى الفساد الكبرى، والتي ازدهرت وأثرت على حساب الفقراء منذ تطبيق الليبرالية الجديدة في سورية، وما تزال تراكم الثروات دون حسيب حتى في الأزمة. في هذا السياق يجب لفت الانتباه إلى الدور الخطير لإعلام هذه القوى أيضاً في استم.راره وإصراره على تصنيفات وتقسيمات قطع الواقع اليوم، مع احتدام المعارك بين الأجانب والسوريين، شوطاً أطول مما سبق في إظهار خطأها، بل وباتت خطيرة في تهديدها وإبطائها للفرز بين المسلحين على الأرض السورية، بين سوريين يمكن الحوار والاتفاق معهم، وبين الداعشيين ومن في حكمهم.
ما هو دور الأدوات والشخصيات الحاملة للجنسية السورية، وبعضهم في صفوف ائتلافات الخارج الغربي-الخليجي من «المعارضة السورية»، من موظفي مؤسسات رأس المال المالي العالمي الدولية المعروفة، فضلاً عن المنظمة الصهيونية العالمية، فصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، التي تدعي نشر التنمية عبر العالم الثالث، وردائفها لنشر الديقراطية «يو أس إيد» مثلاً وغيرها..؟
تتعزز المؤشرات الملموسة، فضلاً عن المستنتجة بالتحليل العلمي، عن وجود تنافس وتوزيع أدوار بينهما بالحد الأدنى، وتحالفات سرية أو علنية بالحد الأعلى، وبإشراف المعلّم والمخرج الأمريكي لأفلام التقسيم الوهمي لصفوف الشعب السوري الواحد، ومسلسلات التشدد النظامي والمعارض على حدّ سواء لعرقلة الحلّ السياسي بالحد الأدنى، أو تفخيخه لتفجيره لاحقاً أملاً بإجهاض أي تغيير وطني حقيقي عبر صراع ديمقراطي وسلمي بنّاء بالحدّ الأعلى.
إنّ بناء وحدة وطنية حقيقية واسعة بين أبناء الشعب السوري، على قاعدة صدّ خطر الداعشية، والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، كأساس ضروري للتغيير نحو مستقبل أفضل، يحتاج إلى مجهود فكري وإعلامي وعملي موحّد وكبير من قبل جميع الوطنيين، للتفوق على بروباغاندا الثورة المضادة والرجعية في جميع المواقع المتشددة نحو هزيمتها النهائية.