مشروع البرنامج استكمال لجهد علمي وعملي
مع بداية تبلور ملامح الحل السياسي للأزمة السورية الوطنية الشاملة، التي دخلت عامها الثالث، يطرح حزب الإرادة الشعبية مشروع برنامجه للنقاش العام أمام الرفاق والأصدقاء.
إن هذا البرنامج هو استكمال لجهد علمي وعملي قائم ومستمر، بدأ مع تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي، الذي عقد في دمشق بتاريخ 18-12-2003. وهو نقطة الانطلاق لمسار حزب الإرادة الشعبية، الذي هو تطوير وتتويج لعمل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين. فهو يضع الحركة السياسية في سورية أمام تحدّ جديد، يتمثل بتقديم برنامجه الذي يشكل المدخل الوحيد للخروج من الأزمة، ويجيب على تساؤل مشروع، هو: ما العمل في اليوم الأول بعد الأزمة؟ جاء في مقدمة الرؤية ما يلي: «ينتصر، في نهاية المطاف، من ينتصر معرفيا». نعم، هذا هو التحدي أمام الحركة السياسية في سورية: أي فصيل وطني يملك اليوم رؤية دقيقة واضحة حول المرحلة وطبيعة المهام الأساسية الملحة المطلوب التمركز حولها. يطرح الحزب في القسم الثالث فكرة الترابط العميق إلى حدّ الاندماج بين القضايا الثلاث: الوطنية والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية. ويرى أن هذا الترابط هو المدخل العلمي الوحيد لتفسير الواقع السوري تفسيراً صحيحاً يسمح بتغييره. إذ إن القضايا الاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية لا يمكن حلها الآن في إطار أجهزة الدولة نفسها، هذا من الناحية الموضوعية. فالحل الصحيح للقضية الاقتصادية- الاجتماعية هو الحل الوطني العام. وهذا يتطلب إشراك القوى صاحبة المصلحة الحقيقية بالدرجة الأولى. ومن هنا فإن القضية الوطنية هي قضية اقتصادية- اجتماعية وقضية ديمقراطية. وقضية الديمقراطية هي قضية وطنية وقضية اقتصادية-اجتماعية. هذه القضايا الثلاث هي أضلاع ثلاث في مثلث واحد، كلها تعبر عن بعضها في جوهر واحد، لقضية واحدة، هي قضية الوطن والمواطن. وخط الفصل بيننا وبين الآخرين لا يمر عبر اللافتات الإيديولوجية. فأحيانا، نجد ماركسياً، أو متمركساً، يطرح في الظروف الحالية، بحجة «العين لا تقاوم المخرز»، مفهوم المصالحة مع «إسرائيل» الصهيونية. وهو نفسه يطرح مفهوماً خاطئاً حول ضرورة الأخذ بالليبرالية الاقتصادية، باعتبارها ستجلب ديمقراطية سياسية. هذا صحيح، وقد حصل في بلدان الغرب. فالليبرالية الاقتصادية جلبت معها ديمقراطية سياسية، أما في العالم الثالث فقد أتت الليبرالية الاقتصادية دائما بقمع سياسي وتقييد للحريات الديمقراطية. هذا التناقض هدفه عملياً زيادة نهب الجنوب وإفقاره. وهذا يعني زيادة التوتر الاجتماعي. وبما أن مصلحة الناهبين أن يكموا أفواه المنهوبين، فلا مناص إذاً من القمع السياسي. التحدي الآخر للحركة السياسية بشقها الماركسي يتمثل بالإجابة على التساؤل التالي: ما هي الماركسية اليوم؟ أي: هل تبقى القضية كما كانت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ أي: هل يأتي التطور بجهود أفراد قلائل لهم عبقرية المؤسسين؟ التجربة في ميادين البحث العلمي تقول: إن تطور العلوم لم يأت إلا على أساس مجموعات بحث علمية متخصصة في كل الفروع. والماركسية، باختصار، هي حجر الأساس في علم الاجتماع السياسي. أي هي علم التحكم الواعي بالعمليات الاجتماعية لمصلحة البشر عموما. والحزب هو الأداة الواعية، وهو بالطبع مركز البحث العلمي الوحيد لتفسير الواقع من أجل تغييره. نعم، حزب الإرادة الشعبية يعتمد في مرجعيته الفكرية الماركسية اللينينية. ويعمل على تطبيقها بشكل خلاق من خلال التجربة والعمل بين الجماهير، ومن خلال المراجعة الدائمة لحدود الثابت والمتغير فيها، بعيداً عن أمراض العدمية والنصوصية. وهو يعتبر نفسه وريثاً حقيقياً لقيم وتراث كل من حركة التحرر الوطني والحركة الشيوعية والثورية في سورية، وفي العالم. وباختصار: حزب الإرادة الشعبية هو وريث كل ما هو حي وأصيل في الفكر العلمي التقدمي. ونعمل في منزلنا الحزبي بعقلية الانطلاق مما هو ضروري، وليس مما هو ممكن. مستندين إلى مقولة ثورية للمناضل الأممي «أرنستو تشي غيفارا»: (لكي نكون واقعيين يجب أن نطلب المستحيل). وننجح اليوم بأن إرادتنا الشعبية الواعية تسير وتتناغم مع ضرورات الواقع الموضوعي.