الموقف الروسي مقدمات.. ودلالات!
يلاحظ المتابع للشأن السياسي، تصاعداً متسارعاً في الموقف الروسي في وجه محاولات الولايات المتحدة لاستمرار الاستفراد بالقرار الدولي، تجاه العديد من الملفات الدولية الساخنة
وإذا كان مثل هذا الدور متوقعاً منذ ما يقارب عقد من الزمن وتنبأ به من يعتمد المنهج العلمي في قراءة الظواهر، ويتعاطى مع الوضع القائم في حركيته وليس في حالة السكون المؤقتة والعابرة بكل تأكيد، فإن بعضاً آخر بات مندهشاً من هذا الجموح الروسي.. بعد أن باتت المواقف الروسية من هذه القضية الدولية أو تلك، تتصدر رأس اهتمامات وسائل الإعلام والنخب السياسية... فما هي مقدماته، ودلالاته ومآلاته؟
تنبع أهمية الإجابة على هذا السؤال، في أنها توفر الإمكانية لمعرفة اتجاه تطور الأحداث على النطاق العالمي ومنها الأزمة السورية، وبالتالي وضع التوجهات المناسبة على الصعيد الوطني السوري، للتوافق مع آفاق تطور الوضع العالمي اللاحق.
إن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تعتبر القوة الأولى في العالم بسبب هيمنتها الاقتصادية، لم تعد كذلك بعد تفجر الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات، والتي لم تنجح جميع المحاولات في حلها بالأدوات التقليدية مع استمرار البنية الاقتصادية الاجتماعية نفسها، وليست مصادفة أن يصرح وزير المال الأمريكي قبل أيام بأن الولايات المتحدة مهددة بالإفلاس، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة على دورها السياسي والعسكري على المستوى العالمي.
إن هذا التراجع الامريكي، فتح الإمكانية موضوعياً لقوى أخرى بملء الفراغ الناشىء، فالمجتمع كما الطبيعة لاتقبل الفراغ، وروسيا بما تملك من موارد وكفاءات علمية وتجربة تاريخية، مؤهلة أكثر من غيرها لسد هذا الفراغ.
إن لجوء الولايات المتحدة إلى تعويض تراجعها الاقتصادي بما تمتلكه من ترسانة عسكرية، هي الأخرى باءت بالفشل فروسيا التي تعتبر وريثة دولة عملاقة ذات نموذج خاص، تتفوق على الولايات المتحدة في العديد من فروع التكنولوجيا العسكرية، وليس عبثاً كما نظن تلك التقارير الإخبارية التي تحدثت عن لجم الروس عسكرياً للعدوان الأمريكي الذي كان قد بدأ فعلياً، وتمكنت التكنولوجيا العسكرية الروسية من تغيير مسار الصواريخ البالستية الأمريكية الموجهة إلى سورية ودفنها في مياه البحر المتوسط.
إن التقدم الروسي ليس تناسباً عكسياً مع التراجع الأمريكي فحسب، بل تضاف إليه الإرادة الروسية التي تتكثف بالمشاعر الوطنية الروسية، وسيكولوجيا الإنسان المنتمي إلى دولة عظمى التي تكونت خلال الحقبة السوفيتية.
إن الاتحاد الروسي ليس جمعية خيرية، وهو لايواجه الولايات المتحدة في هذا الملف الدولي أو ذاك «كرمى لعيون» هذا النظام أو ذاك، أو حتى هذا الشعب أو ذاك، بل هو يدافع أولاً وقبل كل شيء عن المصالح الروسية، ولكن الذي ينساهُ أو يتناساه البعض أن هذه المصالح الروسية تتوافق مع مصالح شعوب العالم، ومنها المصالح الاستراتيجية للشعب السوري، في الحفاظ على وحدة البلاد ومنع كل محاولات تقسيمها وتفتيتها التي باتت جلية وواضحة.
إن الموقع الجديد لروسيا في شبكة العلاقات الدولية، يوفر الإمكانية لانعطاف نوعي في المسار التاريخي لتطور المجتمع البشري، فالرأسمالية في مرحلة «الرأسمال المالي» تأكد إفلاسها التاريخي سياسياً وأخلاقياً، وتأكد عجزها عن حل جدي لأي ملف دولي، لابل ساهمت في تعميق الأزمات، ونشر الفوضى على النطاق العالمي، الأمر الذي وضعها في تحد ليس مع شعوب العالم فقط بل مع شعوب بلدانها، وهذا ما تجلى فعلياً، في موقف الشعب الأمريكي، والشعوب الأوربية في التحضير للعدوان الرافض لمثل هذه المغامرة، بما فيها بعض النخب العاقلة، من أساطين مراكز الأبحاث في الدول الرأسمالية، وعليه فإن السؤال عن نظام بديل، بات على جدول الأعمال، فهل ستكون روسيا قاطرته مرة أخرى؟..سؤال نطرحه، مع ما فيه من إجابة مضمرة، بانتظار أن تقول الأعوام القليلة القادمة كلمتها!
إن التقدم الروسي ليس تناسباً عكسياً مع التراجع الأمريكي فحسب، بل تضاف إليه الإرادة الروسية التي تتكثف بالمشاعر الوطنية الروسية، وسيكولوجيا الإنسان المنتمي إلى دولة عظمى تكونت خلال الحقبة السوفيتية، والتي تتوافق في هذه المرحلة التاريخية مع البنية الثقافية والذهنية التاريخية لأركان منظومة القوة في الإدارة الروسية.