«الإمبريالية الغبية» من وجهة نظر (يساري تائب)!

«الإمبريالية الغبية» من وجهة نظر (يساري تائب)!

اشتغل المدعو سلامة كيلة خلال السنوات العشرة الماضية تحت غطاء تجديد الماركسية، ووصل إلى نتائج عالية الأهمية تستحق ثناءً خاصاً!!

تحمل اللحظات الانعطافية الحادة في تاريخ البشر - كالتي نعيشها حالياً- حقائق واستنتاجات بالجملة، تنهي جدالات طويلة تصدرت مراحل السكون والتراجع، ذلك أن لغة الحياة الواقعية تطحن «الفزلكات» الفارغة وترمي بها إلى المزابل، وهذه هي الحال مع فزلكات اليساري التائب التائه سلامة كيلة الذي يتمسك في كتاباته الأخيرة بـ«عظمة» الإمبريالية الأمريكية «الذكية» التي يعني سقوطها سقوط جميع تنظيراته السابقة، ويقابلها بإمبريالية أخرى مفترضة هي «الإمبريالية الروسية» التي يصفها بالغباء.. وإن كان منبر قطر «الثوري»، سواء الجزيرة أو مركز عزمي بشارة ومجلاته الجديدة الممولة قطرياً، الذي يتحدث من خلاله كيلة يكفي وحده للوقوف على نوع «الثورية» الخاصة الذي يلتزمه، إلا أن نقاشاَ بسيطاً لإحدى «أهم» طروحاته أصبح ضرورياً لمساعدة الحياة على تصريف شؤونها..
إن الطرح القائل بإمبريالية روسيا كفيل بإثارة عاصفة من الضحك لدى مختصي الاقتصاد السياسي، فالشروط الخمسة التقليدية للإمبريالية وإلى جانب كونها غير محققة في روسيا، فإن الأهم هو أن التفاعل بين ظاهرتين موضوعيتين هما التمركز واستمرار التمركز من جهة والعولمة الاقتصادية من جهة ثانية، يؤدي نتيجة بسيطة هي: هنالك مركز إمبريالي واحد..
وبمقاربة أخرى للقضية ذاتها، يظهر أن السيد كيلة ورغم التعاطف الهائل الذي لا ينفك يظهره للحراك السياسي الشعبي العالمي، فإنه لا يثق بهذا الحراك ولا بقدرته على تغيير المعادلات الدولية الراكدة منذ أكثر من عشرين عاماً، وكأنه يعيد صياغة «نهاية التاريخ»  ولكن من وجهة نظر «يسارية» هذه المرة.. فأمريكا ليست في حالة تراجع فهي ذكية وهي إلى حد ما فوق القانون الموضوعي، وإذا كنتم مصرين على تراجعها فلن تفلتوا بأفكاركم وبفعلتكم فروسيا إمبريالية أيضاً.. والرأسمالية نهاية التاريخ !  وفي الوقت نفسه فإن ثورةً طبقية مكتملة هي الجارية في سورية، ولكن لا تقولوا شيئاً عن تحول عالمي لمصلحة الشعوب ولمصلحة اشتراكية جديدة تفرضها الشعوب، فذلك تفاؤل ثوري كاذب، فلا يمكن لأوباما أن يتراجع، أوباما يتقدم فقط.. ولو!!
إن المتابع لتطور طروحات كيلة عن قرب لا يفاجئه موقفه الحالي، وربما لا تفاجئه علاقاته القطرية باعتبارها استكمالاً لعلاقاته الفرنسية، فالذي نظّر لحصر الماركسية بالديالكتيك المادي رافضاً الاعتراف بالاقتصاد الماركسي باعتباره علماً، ورافضاً الاعتراف بالنظرية الثورية العلمية، والذي رأى في حل الدولتين حلاً للقضية الفلسطينية سيصل حتماً إلى الدرك الذي وصله كيلة، حيث اللعب بمزاج الناس دون مصلحتها، وحيث الحالة الثورية ثورة، وحيث المدنية علاقة بين الطوائف لا فرز بين الطبقات، وحيث السلمية فقيد غالٍ يجب دفنه بأسرع ما يمكن، وحيث الحل السياسي واقع كريه يجب الاعتراف به في اللحظات الأخيرة قبل الخروج من التاريخ..