النهج الساداتي على قناة «سما»؟!
في ظل التصعيد الإعلامي حول احتمالات العدوان الغربي على سورية، والذي وازاه مستوى عال من الصلابة التي أبدتها الدول الحليفة للشعب السوري،
بدت قناة «سما» الفضائية خارجة عن الضوابط الإعلامية التي تحكم عمل المؤسسة الإعلامية السورية من جهة، وناسفة بعرض الحائط الحالة العامة عند السوريين، والمتمثلة في مستوى ترابط وثقة أكبر، أظهرتها شريحة واسعة منه اتجاه الحلفاء الدوليين، من جهة أخرى..
فتحت المحطة هواءها للإعلامي المصري، توفيق عكاشة، بعدما عمدت إلى توحيد البث الفضائي، لمدة لا تقل عن الساعتين وبشكلٍ شبه يومي، مع قناة «الفراعين» المصرية، لتبث برنامج «مصر اليوم» الذي يعدّه ويقدمه عكاشة، رئيس مجلس إدارة «الفراعين».
جملة مواقف تناقض آراء السوريين
في أولى الحلقات المنقولة على قناة «سما». قدَّم عكاشة رؤيته الخاصة للأزمة السورية، يعالجها من موقع «الخبير العارف» بخبايا الأمور، وهي في الواقع نظرة متخبطة غير قادرة على تجاوز الثنائية الوهمية ما بين «موال ـ معارض»، ترافقها نزعة جامحة نحو إسقاطات ومقاربات غير دقيقة (وربما غير بريئة) ما بين الحالتين المصرية والسورية.
ينتقل المقدم لتقييم المواقف الدولية إزاء التهديد الأمريكي للشعب السوري، يصف الموقف الروسي بأنه «مُخجل»، إذ أن الدولة الروسية، حسب زعمه، لم تتمتع بمستوى الجدية المطلوب في دعم الشعب السوري. بينما ترتفع نبرة كلامه حين ينتقل لتقييم الموقف الصيني، فيراه «أخرس وعاجز»، ليبدأ بعدها بسيل الاتهامات والشتائم على كلا الموقفين.
لا يبدو عكاشة متوازناً في شراسته لـ «الدفاع» عن الشعب السوري، فبمجرد انتقاله للحديث عن الموقف السعودي، تتغير تقاسيم وجهه، وتأخذه «النخوة» القومية إلى التبجيل والتعظيم بالعاهل السعودي، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، فيناشده من موقع «الأخ العربي» أن يمنع العدوان الغربي على سورية، لربما لم يسمع عكاشة بجولات التزلف المكوكية التي أجراها، عادل الجبير، السفير السعودي في أميركا لحض أعضاء الكونغرس الأمريكي للتصويت على العدوان المخطط له. ولم تكن دعوة عكاشه الصريحة للجيش المصري بقصف قطاع غزة الفلسطيني، للقضاء على «إرهابيي حماس»، آخر الأفكار القاتلة في حلقته، المنقولة على محطةٍ سورية!
في السياسة، ينتمي توفيق عكاشة إلى «الحزب الوطني الديموقراطي»، حزب الرئيس المصري المخلوع، محمد حسني مبارك، وبعد حلِّ الحزب، انتقل برفقة طلعت السادات، ابن أخ الرئيس السابق أنور السادات، لتأسيس «حزب مصر القومي»، الذي نُسخت رؤيته السياسية الليبرالية نسخاً من برنامج الحزب المنحلّ.
مجرد خطأ تقني؟؟
لم تبذل قناة «سما» جهداً لتبرير نقل البرنامج، المثقل بالأطروحات الليبرالية، أمام الرأي العام السوري، إلا أن الواضح أن القصة ليست مجرد خطأ تقني بسيط، أو هفوة من القيمين على القناة، فالبرنامج تم نقله لثلاثة أيام على التوالي، ولم يزل يعرض، ما يجعل من حجة الخطأ التقني حجة باطلة بالمطلق. أما إذا كانت الحجة المعلبة والجاهزة، المتمثلة بشعارات «الشفافية، وحرية الإعلام، واحترام الرأي الآخر...إلخ» فلنا أن نذكِّر القناة بأن هناك في سورية من هم أحق باحترام آرائهم وفتح الهواء لهم، دون اجتزاء أو تحريف، فالسوريون الذين لم يجربوا نعيم «شفافية الإعلام» بعد، أحق فيها من توفيق عكاشة، الذي رفضه المصريون في انتخابات البرلمان، فاحتضنه إعلامنا!
أخيراً، تجدر الإشارة أننا حتى ولو أردنا أن نعالج القضية من زاوية «حرية الإعلام»، كما يفهمها البعض، فستكون النتيجة واحدة: للإعلام الحق في عرض ما يشاء، وللشعب كامل الحق في إدراك هوية وخط هذا الإعلام، واتخاذ الموقف منه، بقدر التزامه أو عدم التزامه بثوابت الشعب الوطنية.