خلال ندوة نظمتها جريدة تشرين علاء عرفات: حركة الناس تعبير عن تناقضات موجودة في مجتمعاتنا..

خلال ندوة نظمتها جريدة تشرين علاء عرفات: حركة الناس تعبير عن تناقضات موجودة في مجتمعاتنا..

نظمت جريدة تشرين الأسبوع الفائت ندوة بعنوان «المقاومة في زمن الربيع العربي؟!» قامت بنشر تفاصيلها في عددها الصادر يوم 27/08/2013،

وشارك في الندوة كلٌ من المحلل السياسي سليم حربا، ومسؤول الإعلام المركزي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة - السيد أنور رجا، والرفيق علاء الدين عرفات أمين حزب الإرادة الشعبية. وفيما يلي تعيد «قاسيون» نشر ما قاله الرفيق علاء الدين عرفات خلال الندوة..

في اصطلاح «الربيع العربي»
لا بد أولاً من التوقف عند مصطلح «الربيع العربي»، عند مشكلة المصطلح.. فهو مصطلح ملغوم، وهو نوع من التشبه بما سُمي «ربيع براغ» عام 1968، فمنذ اللحظة الأولى جرى إلباس هذا «الربيع العربي» لبوس الريبة، مع ذلك أنا أدعو للنظر لهذه المسألة بطريقة أخرى.. الناس عندما نزلت إلى الشوارع في تونس وليبيا ومصر واليمن ودول أخرى كانت لها مطالب، وكانت حركات عفوية، البعض تعامل معها بطريقة خاطئة والبعض الآخر دفعها باتجاهات ومسارب سلبية، والاستنتاج هنا أنه لا يجوز القول بالمطلق إن حركة الناس ومجرياتها كانت مؤامرة كبرى، وإنما توجيه الناس باتجاهات خاطئة هو المؤامرة..
إن حركة الناس هي تعبير عن تناقضات موجودة في مجتمعاتنا، الناس خرجت مع وجود مشكلة، والحركات التي سُميت شعبية لم تكن لها قيادات حقيقية تستطيع أن تصوغ أهدافها ومطالبها وتسير بها نحو تحقيقها، وهذا يقودنا بدوره إلى أن هناك مشكلة أيضاً في واقع القوى السياسية في العالم العربي، والموضوع يحتاج إلى تكبير فتحة البيكار وتوسيع دائرة التفكير بهذا الواقع.. إذا توقفنا عند القوى السياسية التي نشأت في النصف الأول من القرن الماضي (وبدهي أن كل حزب سياسي وكل حركة سياسية تولد وتكبر وتموت مثلها في ذلك مثل كل ظاهرة في الحياة)، وترافق موت هذه القوى في المرحلة الأخيرة مع حركات الناس العفوية غير الناضجة والمعبرة عن كمية هائلة من التناقضات الموجودة في مجتمعاتنا، وكان سهلاً بالتالي تلقفها من المراكز الغربية التي هي أكثر تطوراً بالمعنى العلمي ولديها الكثير من الأدوات في مجتمعاتنا، فهناك الإعلام ورؤوس الأموال والتمويل ومعاهد إعداد وتدريب ومؤسسات... الخ، وهذه المراكز الغربية تتآمر علينا منذ زمن بعيد، وبالتالي كان هناك ترافق للحظتين مع بعضهما بعضاً أدى إلى خروج الناس، وتالياً كانت حركة الناس تعبيراً عن تناقضات بالدرجة الأولى، وكان على القوى السياسية أن تحاول الإمساك بها بدقة لأنها ليست حركة عابرة وهي لن تتوقف (لم تتوقف في مصر مثلاً) بل ستتمدد بشكل مستمر..
الطاقة الإيجابية وزوال «إسرائيل»
ثانيا، لا ينبغي إطلاقاً النظر إلى حركة الناس على أنها سلبية، هذه الحركة لها طاقة إيجابية عالية إذا استطاعت القوى والأنظمة السياسية الاستفادة منها وتحويلها إلى واقع حسي يدفع البلدان العربية إلى الأمام ويجعلها قادرة على حل أي أزمة مهما كانت كبيرة. ولنضرب مثالاً على ذلك الكيان الصهيوني، فهو اختلق رسمياً عام 1948، أي عملياً بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد صعود قوة عظمى هي الولايات المتحدة، وكانت قد مهدت لذلك أساساً قوة عظمى أخرى هي بريطانيا.. اليوم هاتان القوتان في طور الأفول، ونحن كلنا نعلم أن الكيان الصهيوني يرتبط عضوياً بهاتين القوتين، ومع أفولهما كان يفترض بنا أن نرى الفرصة والإمكانية للانتهاء من هذا الكيان. وتالياً، الاستعداد لاغتنامها وانجازها، بمعنى أنه تبعاً لذلك كان يفترض بنا اليوم أن نرفع شعار إزالة «إسرائيل»، وهناك ميزان قوى دولي يساعد على ذلك. فنحن بهذا المعنى أمام فرصة تاريخية تسمح لنا بالإفلات من السيطرة الغربية، ومن الحالة الاستعمارية غير المباشرة.
مرحلة انتقالية
وإذا كنا ذاهبين إلى تغيير كبير في النطاق العالمي، علينا أن نتوقع - ونحن نرى فعلاً -  أن هناك قوى سياسية وأحزاباً وحركات موضوعة على قائمة التلاشي إن لم تستطع أن تكون جزءاً من هذا التغيير، أي أننا أمام مرحلة انتقالية بين فضائين سياسيين، قديم وجديد، القديم محكوم حتما بالموت بكل أطرافه أياً كان شكلها وهويتها، تقدمية - رجعية - مقاومة، ولكن من يستطيع من هذه الأطراف الولوج إلى الفضاء الجديد لا بد له من إعادة صياغة البرامج والأدوات والاستراتيجيات، ومن هنا أقول إن هناك قوى وحركات وأحزاباً في العالم العربي ستتلاشى وستظهر مكانها أخرى، وهناك قوى ستتمكن من التكيف وهذا ينطبق على الجميع، رجعيين وتقدميين ومقاومين... إلخ، إذاً المسألة هي أن هناك معادلة دولية جديدة تماماً، من يتمكن من فهمها وحلها يبقى، ومن يفشل يسقط.
القوى المقاومة أيضاً!
وإذا كنا نتحدث اليوم عن قوى المقاومة فما سبق يشملها أيضاً.. إن منظمة التحرير الفلسطينية مثلاً، كانت في مرحلة من المراحل أغنى حركة تحرر في العالم لكنها عانت الكثير من الأزمات والانقسامات- ومن فساد كبير- وبالتالي هي ما زالت تواصل مسار الانحدار، وطبيعي القول: إن بقية حركات المقاومة ليست في منأى عن ذلك إذا لم تحصّن نفسها خصوصاً من الفساد، بمعنى أن المقاومة ليست فقط أن أقول أنا مقاوم وأحمل سلاحاً وأرفع شعارات، المقاومة هي أن أكون مقاوماً حقيقياً وأن أقنع الناس بذلك..
الحراك «الشبابي»
الشباب هم أكثر شريحة تتركز فيها التناقضات، خصوصاً ذات الطابع الاقتصادي، حيث يكون البحث عن فرصة عمل أمراً أساسياً، وأغلب الشباب العربي يواجه أفق عمل مسدود، وهذا يدفعهم إلى الحركة أو الحراك كما يقال، وتالياً يظهر الأمر وكأن هناك حراكاً شبابياً وهذا ليس صحيحاً تماماً، الحركات الشبابية تبدأ ولكن إذا لم تستطع تحريك المجتمع برمته تفشل وتتحول إلى حالة معزولة، وهذا ما أثبته تماماً «الربيع العربي»، ومصر مثال على ذلك... اليوم بدأنا نرى كيف أن كل ذلك الحديث عن الشباب والحراك الشبابي بدأ يعود إلى وضعه الطبيعي.

سورية ستبقى دولة المقاومة
إذا اعتمدنا على أن الأزمة في سورية تتقاطع مع لحظة مفصلية دولياً يجري فيها تغيير موازين القوى، فهذا يسمح لنا بالقول: إن سورية ستخرج من أزمتها باتجاه تغييرات كبرى بالمعنى الإيجابي، وسورية ستبقى حاضنة للمقاومة العربية، والمقاومة في الأساس حالة متجذرة في سورية، حالة شعبية عميقة، لذلك من الصعب جداً أن يحكم سورية شخص غير مقاوم، ولا أن يسود فيها نظام غير مقاوم. وإذا وصل إليها نظام بخلاف ذلك لا يمكن أن يستمر، الشعب السوري شعب مقاوم في أصله وثقافته ووعيه وتربيته، لنأخذ مثلاً القائد يوسف العظمة الذي خرج لمقاتلة الغازي الفرنسي وهو يعرف أن النصر لن يكون حليفه، ولنتذكر أن سورية في حينها كان يحكمها الملك فيصل الذي رضخ لإنذار غورو وحل الجيش وغادر البلاد مستسلماً، فأبى يوسف العظمة إلا أن يقاوم حتى النفس الأخير، ومثله الشعب السوري الذي خاض نضالاً بطولياً ضد المستعمر الفرنسي وانتصر وحقق الاستقلال.. وهنا لا بد من التأكيد على دور الجيش السوري الذي يتقدم الصفوف دائما في معركة المواجهة والمصير.