من هي قوى الفساد الكبير؟؟
يحصل أن يُقابَل الخطاب السياسي الداعي إلى محاصرة نفوذ قوى الفساد الكبير في المجتمع السوري، بتساؤلات عدَّة حول الهوية الحقيقية لهذه القوى، بعض هذه التساؤلات يهدف إلى زعزعة الثقة بهذا الخطاب السياسي،
وبعضها الآخر قد تملّكت سائلها فكرة أن الجواب الحقيقي والصادق الوحيد على هذه التساؤلات، يجب أن يكون مرفقاً بقائمة تحوي أسماء الفاسدين الكبار، لمحاربتهم بعد ذلك. يكمن جوهر الخلل الحقيقي في هذا المنطق، بأنه يصغر من حجم المشكلة ليتم اختزالها باسمٍ أو اسمين، مما يجعل قوى الفساد الكبير مرتاحة للتباطؤ الحاصل في عملية مواجهتها..
إن قوى الفساد الكبير هي المستفيد الأكبر من الصورة التي تم العمل عليها جيداً، ليقتصر مفهوم الفساد إثر ذلك على صغار الموظفين المرتشين في جهاز الدولة، وهي التي استثمرت هذه الصورة لتجعل من عصا الاصلاحات سلاحاً يوجه، متى أجبرت على ذلك، نحو من لا يهدد القضاء على فساده الصغير حجم فسادها المضاعف. إنها تلك القوى التي اعتمد تحصين مواقعها خلال الأزمة على مدى الزيادة في حدة الانقسام الوهمي ما بين «مؤيد ومعارض»، ومدى قدرتها على تمويه الثنائية الحقيقية بين «منهوب وطني- ناهب غير وطني»، والتي من شأنها أن تعري، بشكلٍ أسرع، ممارساتها اللاوطنية والمصلحة المطلقة التي تربطها مع الفاسدين الكبار في الطرف الآخر، أمام جمهورها التي باتت تعاني جدياً من ضعف ارتباطه بها، وعدم استعداده للغرق في بحر مشروعها اللاوطني، وهو الذي كان يشكِّل حتى الأمس القريب وقوداً للنار التي أشعلتها.
وهي من هلل لأوهام «الحسم العسكري» والنتائج الكارثية التي رافقته، ولعنت حظها مراراً، في الوقت الذي بدت فيه حالة التوازن الدولي الصفري حقيقة تهدد حلمها في الاستفراد بموارد البلد بعيداً عن خطر الأكثرية الشعبية المسحوقة. والفاسدون الكبار، هم من يريدون لعموم السوريين أن يناضلوا ضد نهبهم بشراسة، شرط أن يقتصر هذا النضال على جبهات العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، فعلى أية حال، لا يضر «التنفيس الهادف» بين حين وحين، بل إنه مهم لاستمرار عملية النهب بمناخ أكثر أماناً. إنهم بالضبط من لا يرى مشكلة في إنشغال بعض السوريين بالبحث عن أسمائهم، ما دام هذا البحث سيترك الظاهرة يشتد عودها أكثر، ويلتهي بمحاربة أقنعتها.
إن الفساد الكبير هو ذاك الذي يستغل تضحيات الجيش السوري، ويستثمرها لأدنأ الغايات، فيزاود على الوطنيين بالدفاع عن المؤسسة العسكرية، وفي الوقت نفسه لا ينفك يشوه صورة هذه المؤسسة بشتى الوسائل المتاحة بين يديه، ولعل عمله على تحقيق المزيد من النفوذ لـ «اللجان الشعبية»، التي باتت تشكِّل بممارساتها حجر العثرة الأول أمام الجيش السوري، خير دليل على ذلك. وإنه عدو الحل السياسي والحوار معاً، إلا إذا استطاع تقزيمهما، بما يؤمن له أهدافه في تحقيق مزيد من النهب لفقراء البلد، وتقاسم سورية مع نظرائه الفاسدين في الطرف الآخر..
هذه القوى هي من كانت في أوج سعادتها حينما كانت البلاد مفتوحة للسياسات الاقتصادية الليبرالية، التي مهدت تربة التهميش الملائمة لنمو ظاهرة التطرف في سورية. وهي من استثمر وجود وزيرين معارضين في الحكومة، لتأجيج نيران الجبهة الاقتصادية، والإيعاز لوسائل اعلامها تحميل النائب الاقتصادي مسؤولية ذلك. وإنها الرابح الأكبر من التراجع الذي أصاب الليرة السورية، خلال الأشهر المنصرمة، وهي التي انزعجت من التعافي التدريجي لليرة، وممن وضع أمام الحكومة مهمة إعادة الليرة إلى سعرها الطبيعي. وذاتها من داست استراتيجية التوجه الاقتصادي نحو الشرق على ذيلها، فعملت على عرقلته بكل جهدها، لتحمي حجم النهب الذي تؤمنه العلاقات الاقتصادية مع الغرب المعادي لسورية، ودورها الإقليمي في المنطقة.
تتجلى خلاصة ما سبق، بأن النظر نحو قوى الفساد الكبير، يجب أن يكون منطلِقاً من قناعة راسخة بأنها تيار كامل، يمثل الأقلية الناهبة في المجتمع السوري. وبالتالي فإن الجهود الرامية لمحاربة نهبها، لن تبصر النجاح سوى برصِّ صفوف الوطنيين، ممن عانوا جراء سياساتها الجائرة، وبالعمل على تفكيك الثنائيات الوهمية، التي لم تساهم إلا بالمزيد من الشرخ ما بين المهمشين. أما الدخول في لعبة الأسماء، فإنه مجرد استدراج للدخول في دوامة، لا نهاية لها، من المهاترات الإعلامية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، مما يساهم في استمرار سطوتها على مقدرات البلاد. فلنحارب الجوهر، جوهر منظومة النهب والفساد، ولنترك الأسماء تتهاوى تبعاً لمدى ارتباطها بهذه المنظومة.