إلى سورية عبر بروكسل، وباريس!

كان واضحاً من البروباغندا التي رافقت التفجيرات المتتالية في مدن أوربية رئيسية منذ ما يقارب العام، «بروكسل باريس مدريد»، بأن هناك من يمهد لدور أوربي جديد في الأزمة السورية، وبات معروفاً خلال الأسبوعين المنصرمين، أن المنطق الأنكلو ساكسوني، الميكيافيلي، قايض دم أولئك الأبرياء الأوربيين من ضحايا التفجيرات، بتمدد عسكري إلى بؤر التوتر ومناطق الصراع، حيث تدخلت في سورية جيوش الدول الأوربية المركزية «انكلترة – فرنسا» وستتبعها جيوش دول أخرى كما يبدو؟

رغم رمزية هذا التدخل العسكري الأوربي، «مستشارين ودعم لوجستي» إلا أنه ينطوي على مفارقات عديدة، ولعل أهم هذه المفارقات، أنه يتناقض مع التوافق الدولي المتجسد بالقرار 2254 الخاص بالحل السياسي للأزمة السورية، والذي كان من المفروض أن يؤدي إلى انكفاء وتراجع منسوب التدخل الخارجي، فهل ننعي الحل السياسي! لاسيما وأن هذا التحول في الموقف الأوربي، ما كان له أن يكون بدون موافقة الإدارة الامريكية؟ وما الذي تسعى إليه واشنطن، ومن وراءها كل منظومة الغرب الرأسمالي، من هذا «التحول» في المواقف؟

-        تحاول الولايات المتحدة، إيجاد وزن مكافىء للدور الروسي، ومزاحمة روسيا التي باتت لاعباً رئيسياً في الميدان السوري، ومتحكماً باتجاه تطور الأزمة السورية، بدلالة تبني كل القوى الدولية والإقليمية خيارها في الحل السياسي.

-        يتقاطع السعي الأمريكي مع مصالح النخب الأوربية التي وجدت نفسها مهمشة في سياق التوافق الروسي الأمريكي، بغية الحصول على حصة من تقاسم النفوذ في المنطقة على طاولة المفاوضات.

-        إن المنطقة التي تتمركز فيها قوى عسكرية أوربية، تعتبر خط تماس صراع إقليمي، وبالتالي دولي، فهذه المنطقة هي بوابة تركية على سورية، وهي أيضاً منطقة تعدد قومي، لها امتداداتها في أربع دول، «القضية الكردية»،  وبالتالي من الممكن توظيف هذا الوجود العسكري لتلغيم الحل السياسي، من خلال إدارة التناقضات المتعددة هناك، والتحكم بها، وابتزاز أطراف الصراع.

 

-        لم يعد بإمكان أوروبا بمفردها، أو حتى بتكامل دورها مع الدور الأمريكي، اللحاق بالموقف الروسي، وهو في أحسن الأحوال سيكون لهاثاً خلفه، فالفعالية الروسية في الأزمة السورية، هي نتاج تراكم نشاط دبلوماسي وعسكري بدء مع جنيف1 وتعزز من خلال الفيتوات المتكررة في مجلس الأمن، وتثبت بالحضور العسكري، وتفعيل المعركة ضد الإرهاب، وتحقيق نتائج ملموسة على الأرض، ليس من خلال طرد داعش وأخواتها من العديد من المناطق السورية فحسب، بل أيضاً من خلال رعاية الهدنات، وفرز المسلحين على أساس مع أو ضد الحل السياسي، وبالتالي إحراج واشنطن التي لم تغير شيئاً على الأرض، رغم أسبقيتها في الحضور العسكري، ورغم كل الجعجعة الإعلامية في محاربة الإرهاب، و ربما الأهم من كل ذلك، هو  أن وزن روسيا يستمد قوته من توافقه مع مصالح الشعب السوري، في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وفتح الآفاق أمام الشعب السوري لعملية التغيير الجذري الشامل.