هل انتهت صلاحية البرنامج الحكومي؟!
يشهد ميزان القوى الدولي تحولات جديّة تتمثل في تراجع الولايات المتحدة الأمريكية تحت وقع الأزمة الرأسمالية الشاملة وتقدم قوى دولية جديدة هي دول مجموعة «البريكس» على الساحة السياسية والاقتصادية. واقترن ظهور الكثير من هذه التحولات بمجريات الأزمة السورية ومن خلالها،
وهذا يفسر إلى حد بعيد درجة تدويل الملف السوري، والتعقيد الذي يرافقه، وحالات الاستعصاء التي تصيبه أحياناً.
أمام مشهد بهذه الدرجة من التعقيد والخطورة علينا أن نتساءل: هل الحكومة الحالية، ببيانها وتركيبتها وصلاحياتها، على مستوى التحديات المنتصبة أمام البلاد؟
كان بيان الحكومة الحالية يستند إلى نقطتين رئيسيتين هما: ملف المصالحة الوطنية، والتوجه الاقتصادي الجديد. ومن الناحية النظرية عُدّ هذا البيان مقبولاً في المرحلة التي شُكلت فيها الحكومة، فقد كان من المطلوب في حينه تهيئة الأجواء للوصول إلى الحل السياسي الذي كان يواجه إعاقات كبرى في حينه، من جانب أمريكا بشكل أساسي. إضافة إلى ذلك، كان ينبغي العمل على التخفيف من الآثار الاقتصادية والخدمية للأزمة إلى حين الوصول إلى الحل. واستطاعت الحكومة تنفيذ تلك المهام بشكل جزئي وغير مكتمل نظراً إلى الإعاقة التي قوبلت منها من جانب نوعين من القوى: من داخل جهاز الدولة، قوى الفساد الكبير التي لم ترق لها تلك التوجهات، ومن خارج البلاد كالقوى الغربية وبعض الدول الإقليمية التي كانت تتطلع إلى إسقاط الدولة عسكرياً.
ما الذي استجد اليوم؟
ظهر التوافق الروسي- الأمريكي حول حل الأزمة السورية سياسياً، وعبّر هذا التوافق فعلياً عن رضوخ الولايات المتحدة لفكرة الحل السياسي بعدما تأكدت لها استحالة الحسم عسكرياً على الأرض من أي طرف كان. إلا أن ذلك لم يعن أن الأمريكان قد غيروا أهدافهم فيما يتعلق بسورية بل غيّروا الأداة الرئيسية، وليس الوحيدة، في تحقيق أهدافهم، التي أصبحت أداة سياسية بعدما كانت عسكرية. لذا أصبح السؤال من وجهة نظرهم: أي حل سياسي يريدون؟
وجد الأمريكان أنفسهم مقبلين على الذهاب إلى التسوية السياسية ولم يتبلور بعد الفريق السياسي الذي يمثل رؤيتهم- ائتلاف الدوحة الذي يعاني من الانقسام والتشرذم المستمر- وأيضا لم يستكمل الأمريكان بعد هجومهم على بقية الجبهات وعلى رأسها الجبهة الاقتصادية التي تعد من أخطر الجبهات حيث يجري شن هجوم غير مسبوق على الليرة السورية وذلك عن طريق إغراق الأسواق المجاورة بها بهدف تخفيض سعر صرفها. أي أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إشهار كل أسلحتها وإشعال كل الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية قبل عقد مؤتمر جنيف.
وأمام مثل هذه التحديات يصبح بيان الحكومة الحالية وصلاحياتها وتركيبتها دون مستوى التحديات المنتصبة أمام الدولة داخلياً وخارجياً، فطالما أن تشكيل حكومة وحدة وطنية هو رهن انعقاد مؤتمر جنيف يصبح من الضروري الإسراع لصياغة برنامج حكومي جديد يضع على رأس أولوياته مجابهة التدهور الذي يشهده الوضع الاقتصادي عبر ضرب قوى الفساد الكبير في الداخل الذي غدا واضحاً فيه التناغم بين سلوكه وبين الإجراءات التي يمارسها الغرب بحق الاقتصاد السوري من حصار ومضاربة وهجوم على الليرة السورية. ولن يتحقق هذا الهدف إلا من خلال إعطاء الحكومة صلاحيات واسعة وتغيير التركيبة الحالية بأخرى تمتلك الإرادة والشجاعة على السير باتجاه هدف كهذا.