... وتسير قافلة «الحل السياسي»
ترتفع يومياً، منذ اتفاق لافروف- كيري في موسكو بداية الشهر الماضي، أصوات المتشددين عند كل فرصة سانحة في محاولات مستميتة لعرقلة المؤتمر الدولي المرتقب ومنع انعقاده إن أمكن، وإلا فمحاولة تفريغه من محتواه ومنعه من تأدية دوره كفاتحة لانتقال الصراع الجاري من شكل العنف الدموي الحالي إلى الشكل السياسي..
من جهة أخرى، فإن المؤتمر الدولي الذي يقترب بخطاً ثابتة وإن كانت بطيئة، يعبر عن ضرورة واقعية تفرضها موازين القوى الدولية والإقليمية والداخلية ومن خلفها الأزمة الرأسمالية العظمى، وإنه كلما اقترب أكثر أدى إلى مزيد من البلبلة والتخبط لدى المتشددين في طرفي الصراع..
فلجهة الجزء «الأقوى إعلامياً» من المعارضة المرتبطة بالخارج، أي ائتلاف الدوحة ومحيطه القريب، فإن إعادة تنظيم للقوى وتوزيع للأدوار يجري بين قسمين أساسيين: الأول هو أوراق للحرق تلعب دوراً مؤقتاً يتمثل في رفع سقف التفاوض من خلال رفضه أو إقرانه بشروط تعجيزية، وهو القسم الذي سيخرج من المعادلة كلياً حين يبدأ الحل السياسي. أما القسم الآخر، فهو القسم «المعتدل» الذي يعد نفسه لدخول المرحلة القادمة.. وهنا تجد الأوراق المراد حرقها، الراغبة في لعب أدوار لاحقة، أنه لا بد لها من «بعض الاعتراضات»، الأمر الذي يزيد الارتباك ارتباكاً..
وعلى الجهة الأخرى، فإن نوبات «الحسم» لا تزال تنتاب القسم المتشدد في النظام- وفي طليعتهم الفاسدون الكبار- بين الفترة والأخرى، ويحاول هذا القسم تغذية أوهام الحسم باستغلال إنجازات الجيش العربي السوري وتوظيفها في غير مكانها الصحيح، فهي على أهميتها، وكما جاء في أحد القرارات الصادرة عن المؤتمر العاشر لحزب الإرادة الشعبية، «غير مؤهلة لحل جملة المشاكل التي تعاني منها البلاد». ففي الوقت الذي يجب فيه صب جميع الجهود والإمكانات والإنجازات لوقف «إحراق سورية من الداخل»، تبرز الأصوات «الواثقة» و«المزاودة»، حتى على دماء الجيش العربي السوري، لتعيد العزف على أسطوانة الحسم المشروخة غير عابئة بالنتائج المدمرة لزراعة الوهم، وتستمر بالتلويح بـ«خلصت»، وكلهم رجاء بأن «لا تخلص» أبداً.. لأن لذلك عواقبه الكبرى على نهبهم وتسلطهم..
إنّ الأزمة الوطنية العميقة والشاملة، أظهرت بما لا يقبل الجدل أن أشد أعداء الشعب السوري والدولة السورية خطراً هم أولئك المتسترون بعباءة جهاز الدولة، والذين يمارسون نهبهم وفسادهم وجرائمهم باسم الدفاع عنها، وأولئك بالضبط هم بائعو الأوهام والمتاجرون بها، وهم الذين يحضرون أنفسهم هذه الأيام لاستكمال تحالفهم وتنافسهم مع فاسدي الطرف المقابل لإعادة اقتسام النهب ضمن منظومة نهب جديدة لا تختلف عن القائمة إلا بأنها ستزيد عدد الناهبين من جهة وستزيد التبعية الاقتصادية للغرب الاستعماري من جهة أخرى..
وإذا استثنينا المندفعين بعواطفهم الذين يعلقون– حتى الآن- آمالاً على مسائل «الحسم» و«الإسقاط»، فسيظهر أنه في مقدمة «المطبلين» و«المزمرين» لأي تقدم ميداني لأي طرف، يقف أكثر الناس حقداً على الدم السوري وأكثرهم رغبة في المزيد من سفكه.
ولأن الشعب يريد، ولأن الحياة المتبقية في سورية تريد، ولأن الواقع الدولي يفرض، فإن قافلة الحل السياسي تمضي قدماً ولن تشاغلها في المقبل من الأيام أصوات المتشددين إلا قليلاً..