في أسباب عدم المشاركة.. وما بعدها؟
أولاً: قرار عدم المشاركة في هذه الجولة، هو قرار شرطي، سببه هيمنة منصة الرياض على تشكيل وفد المعارضة، لأن هذه المنصة كانت قد نعت هذه الجولة عملياً، حسب مضمون بيانها الصادر في 11 شباط، المتناقض مع القرار2254، بمعنى أوضح، فإن المنصة المهيمنة، مستفيدة من تواطؤ المبعوث الدولي معها، ومع رعاتها، ستشارك في جنيف، بأجندة مخالفة للقرار الدولي الذي يشكل مرجعية الاجتماع نفسه، مما يضع الاجتماع كله أمام احتمالين:
-إما انسحاب الوفد، بحجة عدم تنفيذ أجندته التي حددها من طرف واحد.
-أو وضع الحجج والمبررات الكافية، بين يدي وفد النظام لعدم استكمال المفاوضات، ولا يحتاج المرء الى كثير من الذكاء حتى يستنتج بأن نتيجة الاحتمالين واحدة، وهي عرقلة الحل.
ثانياً: إن عدم المشاركة ضمن الشرط السائد، هي محاولة لإعادة جنيف إلى مساره الصحيح، وتمكينه من تحقيق الدور الوظيفي المنوط به، وعليه فإن العمل مستمر من أجل الحل السياسي، باعتباره الخيار الوحيد لحل الأزمة السورية.
ثالثاً: من السذاجة النظر إلى المشكلة، على أنها مجرد صراع على الحصص، فالجبهة كانت قد أعلنت قبل قرار عدم المشاركة، أنها ترضى بالقليل، بشرط ألا تكون منصة الرياض مهيمنة على الوفد، استناداً إلى المعرفة الدقيقة ببنيتها وتكوينها المتناقضين مع الحل السياسي، فالخلاف على تركيبة الوفد، هو في الجوهر خلاف على خيار الحل السياسي من عدمه، خلاف على التسويف والتعطيل والتأخير، من عدمها، خلاف على تنفيذ 2254 من عدمه.
رابعاً: يكشف سلوك المبعوث الدولي مرة أخرى، عن طريقة أداء بنى المنظمة الدولية، ومدى خضوعها للابتزاز، وبالتالي قدرتها على تنفيذ قراراتها، و يكشف أيضاً عن استهتاره بمصير شعب يمر بأسوأ كارثة انسانية بعد الحرب العالمية الثانية حسب توصيف المنظمة الدولية نفسها، وبالتالي فإن سلوك المبعوث الدولي ليس تجاوزاً على القرارات الدولية فحسب، بل بالإضافة إلى ذلك تعبير عن انحطاط أخلاقي أيضاً.
خامساً: إن الظروف المحيطة بالاجتماع، والألغام القابلة للانفجار على طريقه، سواء كانت الاجندة التي يحاول وفد الرياض فرضها على الاجتماع، أو تواطؤ المبعوث الدولي معها، هي أدوات جديدة يستخدمها أعداء الحل السياسي، لعرقلة هذا الحل مؤقتاً، بعد أن باتوا عاجزين عن إيقاف العملية، فهي محاولة لتفجيره من الداخل، بعد الاضطرار إلى المشاركة، ولكن، وكما انكسرت كل محاولات المنع والإعاقة سابقاً خلال سنوات الأزمة، وكما أرغم أعداء الحل السياسي على الذهاب الى التفاوض بلا شروط مسبقة، فإن هذا الالتفاف الجديد، والمناورة البائسة ستلقى نفس المصير.