جنيف.. وأبعاد معركة الوفد الواحد
انتهى وقت الثرثرة، والجدل البيزنطي، حول الحسم والإسقاط و الشروط المسبقة والأولويات، التي حاول هذا الطرف أو ذاك فرضها على الآخرين خلال الازمة السورية، وبدأت مرحلة استكمال الإجراءات الملموسة لإنطلاق قطار التفاوض بين النظام والمعارضة،
وبات الاستحقاق الأهم اليوم، هو، تشكيل وفد واحد للمعارضة، ليس باعتباره أحد أهم مكونات العملية التفاوضية فقط، بل لأن بنية هذا الوفد، وطريقة تشكيله، وتحديد وظيفته، هي من ستحدد آفاق العملية السياسية، ومدى تأثير النفوذ الإقليمي والدولي على سير المفاوضات، و على كل آفاق التطور اللاحق لسورية، فالمسألة ليست مسألة وجود هذه الجهة المعارضة او تلك على طاولة جنيف، بل تكمن في تنفيذ مهمة جنيف، وفي وضع ألغام لتفجيره من عدمها، لاسيما بعد أن تأكد بالملموس بأن العديد من القوى الإقليمية والدولية المتراجعة، لن تدخر جهداً بعرقلة قطار الحل السياسي، أو على الأقل التحكم باتجاهاته، بعد أن عجزت عن منعه، الأمر الذي يتجلى بالدرجة الأولى في سلوك « جماعة الرياض» وهو الاسم الحركي للنفوذ الاقليمي والدولي في سورية، نشوءاً، وبنيةً، وبرنامجاً، وسلوكاً، وتمويلاً، واستضاقةً، وترويجاً، وتسويقاً... وتراجعاً! وليس ذنب أحد إذا ارتضت هذه الجماعة بأن تكون وجه القباحة في سياق عملية تنظيم تراجع هذا النفوذ.
إن مهمة جنيف واضحة وصريحة، وتكمن بالضبط في تنفيذ 2254، بكل ما يعنيه، وبكل «بنوده ومرتكزاته»، وهذا القرار لا يحتاج إلى تلعثم فقهاء الائتلاف، ومنصة الرياض في تفسيره، ولا يحتمل اجتهادات غير مسنودة إلى قرار دولي، أو مصلحة سورية، وبالتالي فإن حضور هذه الجهة المعارضة أو تلك، لم يكن، ولن يكون شأناً إئتلافياً على الإطلاق، لاسيما، وأن هذا الأخير بات في وضع أضعف من أن يحدد شروط الحضور، ومن سيحضر، أو لا يحضر، وكيف يحضر، بل هو تنفيذ لقرار دولي، ينص صراحة على حضور منصات أخرى، ناهيك عن ضرورة الانسجام مع منطق الأشياء والظواهر، وإن كنا نشك بأن هناك مكاناً للمنطق لدى الكيانات التابعة، فالمنطق السليم يفترض في الحالة السورية الملموسة، وجوب حضور من انتصر برنامجه في الحل السياسي، وبشروطه هو، قبل أولئك الذين أضاعوا سنوات من الوقت والجهد، دفع السوريون خلالها دماً، ودماراً، ونزوحاً وتهجيراً، وتشريداً، واعتقالاً، واختطافاً.
إن حضور القوى الوطنية السورية المعارضة، غير المرتهنة لأحد، في محادثات جنيف، التي أكدت تطورات الأزمة صحة خياراتها، كجزء من وفد المعارضة، ليس حقاً مشروعاً لها فحسب، بل ضرورة وطنية سورية، وأحد مقومات نجاح محادثات جنيف، كإطار للحل السياسي الجدي والحقيقي، بما يفتح الطريق على المحاربة الجدية للإرهاب والقضاء عليه، ويوقف الكارثة الإنسانية، وصولاً إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل.