بعبع ترامب!
يقدم الإعلام العالمي فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعض القوى في الدول الأوربية، كمؤشر على صعود اليمين، رغم أن برنامج المسز كلينتون، ونسخه الأوربية هو استمرار لبرامج «السلف الصالح» من سلالة رأسمال المالي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ورغم أن ترامب وأشباهه الأوربيين يحاولون تقديم مقاربات جديدة، بغض النظر عن الموقف منها، ومصداقيتها، و قدرتهم على تنفيذها من عدمها.
ما نريد قوله هنا، إن تخويف شعوب ودول العالم من فزاعة اليمين في المركز الرأسمالي الغربي، بشقيه الأمريكي والأوربي، هو هلع من شيء آخر، قبل أن يكون رفضاً لليمين...فما هو الكابوس الذي يرعب هؤلاء «السادة»؟
سادت «النيوليبرالية» خلال العقود الماضية، على المستوى العالمي، وأصبحت التيار المهيمن في الاقتصاد والسياسة، وتبين بالملموس إن مسار تطور الوضع العالمي، في ظل هذه الهيمنة أخذ اتجاه الفوضى العارمة في أطراف العالم الرأسمالي، حيث تفشي العسكرة والحروب والنزاعات، وتفاقم التطرف الديني والقومي، والقبلي، وتنامي ظاهرة الإرهاب، أما في المراكز: فكان تراجع النمو الاقتصادي الفعلي إلى ما دون الصفر، والمزيد من تركز رأس المال، والركود المستديم، وزيادة الاستقطاب الطبقي، وتفاقم الاحتقان الاجتماعي، أي أن الخريطة الجيوسياسية في العالم وصلت إلى مرحلة التفسخ والانحطاط، بمعنى آخر، وصلت الليبرالية الجديدة إلى طريق مسدود، ودخلت مرحلة السقوط التدريجي مما يعني - موضوعياً على الأقل - فرز وإنتاج خيارات جديدة، نعتقد أن ظاهرة ترامب، و«اليمين الأوربي» هي أولى ملامحها، وتعتبر دلالة على تحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية، بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة للمركز الرأسمالي الغربي.
لا نزعم القدرة على التكهن القطعي بالمسار الذي ستأخذه الأحداث في المرحلة القريبة القادمة بعد ظهور ملامح خيارات أخرى، لاسيما وأنها تنتمي إلى نفس البنية الاقتصادية الاجتماعية، ولكن ما بات في حكم المؤكد، إن الخيار الليبرالي الجديد، قد استنفذ نفسه، ويتحكم به تناقض مزدوج: تناقض مع الحضارة البشرية، وتناقض داخلي ضمن البيت الرأسمالي نفسه، وإذا اعتبرنا الليبرالية الجديدة أيديولوجيا قوى رأس المال المالي، فيمكن القول وببساطة إن هذه الشريحة من النخب الرأسمالية العالمية، تخاف من فقدان مواقعها، بعد أن باتت في مواجهة الكل، وهذا بالضبط ما يقض مضاجع هذه الشرائح في دوائر صنع القرار، وامتداداتها في الأطراف من أنظمة، ومرتزقة إعلام وثقافة، وأمراء حرب، وهو السبب الحقيقي لحالة الطوارىء، والتعبئة العامة، في أغلب المنابر الاعلامية، وشيطنة كل من يعبر عن خيارات أخرى، بما فيها نبش قبور الموتى من خصوم هذا الخيار المفلس.