افتتاحية قاسيون 670: محاولات تبرئة أمريكا من «داعش»
تتفاعل مسألة «الحرب على الإرهاب» على المستويات الدولية والإقليمية المختلفة، ومن هذه التفاعلات أن «واشنطن»، وعبر الناتو، تسعى إلى تشكيل ما أسمته تحالفاً دولياً للحرب على «داعش»!
تزامناً مع ذلك، وعلى المستوى الداخلي السوري تزداد حدة المعارك في بقاع متعددة من البلاد، وترتفع حرارة الجبهة الجنوبية بشكل خاص، حيث تحتل «النصرة» المعبر مع الجولان السوري المحتل، ويتدخل الكيان الصهيوني بتوجيه ضربات مباشرة داخل الأرض السورية.
بدراسة المعطيات السابقة وتفصيلاتها، يظهر أنّ عملاً أمريكياً حثيثاً يجري على خطين متوازيين:
الأول، هو محاولة الاستفادة إلى الحد الأقصى من مسألة «داعش» لنقل التدخل في سورية من مستواه غير المباشر إلى مستواه المباشر، ما يستلزم دعاية إعلامية وسياسية ضخمة تبرئ «واشنطن» من أية صلة مع «داعش»، وتنسب هذه الأخيرة إلى جملة عوامل إقليمية ومحلية و«حضارية- ثقافية- تاريخية»- وكأن الأدوات تعمل بشكل منفصل عن المعلم الأمريكي- حيث يجري استخدام هذه الدعايات بما يمكن واشنطن من تشكيل التحالف الذي تسعى إليه لاستكمال عملية إحراق سورية والمنطقة.
الثاني، هو محاولة العمل على تكريس الانقسامات الجارية في سورية، على أسس طائفية ومناطقية وقومية، بحيث تخدم عملية الإحراق وتغذيها بشكل مستمر، مستعينة بأداتها «الإسرائيلية» و«الداعشية» وأدواتها الأخرى في المنطقة، كل وفقاً لوظيفته واختصاصه.
إنّ ما يجمع الخطين السابقين هو القناعة الأمريكية العميقة التي عبر عنها مؤخراً معهد «ستراتفور» الأمريكي في دراسة كتبها جورج فريدمان: «إنّ الوقت قد حان لوقف التفكير في استقرار سورية والعراق». وبكلامٍ آخر، فإنّ استقرار هذه المنطقة مسألة مرفوضة بالمطلق من جانب واشنطن، وكل ما ينبغي العمل عليه هو تكريس «الفوضى الخلاقة» والبحث عن أشكال سياسية جديدة وحتى حدود وخرائط جديدة، تسمح لهذه الفوضى بالاستمرار إلى ما لا نهاية.. من هذه الزاوية تحديداً ينبغي التعامل مع طروحات واشنطن بما يخص محاربة الإرهاب.
إلى جانب الحقيقة التي لا تقبل الجدل، والقائلة بدور واشنطن الأساسي في تصنيع داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية عبر العقود الماضية، فإنّ جميع التجارب في محاربة الإرهاب التي خضعت للمنطق الأمريكي، لم تفعل سوى أنها جذرت ذلك الإرهاب وحافظت على الفوضى وعمقتها لآجال طويلة، لم تنته حتى الآن في العراق وأفغانستان.
وهذا يعني أنّ محاربة حقيقية للإرهاب، لا يمكن لها أن تجري سواء بقيادة الأمريكيين، أو وفقاً لعقليتهم في حال عدم وجودهم. إنّ المنطق الأمريكي في محاربة الإرهاب، تعمد رد هذه الظاهرة إلى عوامل «حضارية» و«ثقافية»، واعتمد في «محاربته لها» على الوسائل العسكرية. والمنطق الصحيح في معالجة مسألة كهذه هو في البحث عن أسبابها العميقة لا نتائجها.. وبين هذه الأسباب وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها، إضافةً إلى انسداد أفق التغيير والتقدم لدى شعوب المنطقة، والذي يمكن ترجمته بانغلاق أفق الحلول السياسية..
بالنتيجة فإنّ المعادلة التي يقول بها الأمريكيون هي: «محاربة إرهاب» و«من ثم تأتي الحلول»! وضمناً لا تنتهي محاربة الإرهاب ولا تأتي الحلول أبداً. بالمقابل فإنّ المعادلة الوحيدة الصحيحة هي انطلاق الحلول السياسية باعتبارها المقدمة التي لا بديل عنها من أجل محاربة جدية للإرهاب تستند إلى إيقاف الاستنزاف المستمر، وإلى توحيد جدي لجهود السوريين ولجهود شعوب المنطقة.