كلمتا الشرع وماكرون (النص الكامل)
وصل الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الأربعاء 7 أيار 2025 إلى العاصمة الفرنسية باريس بزيارة هي الأولى له إلى أوروبا، تلبية لدعوة وجهها له الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبعد وصول الشرع إلى مطار شارل ديغول انتقل إلى قصر الإليزيه، حيث كان ماكرون بانتظاره في القصر لاستقباله.
وعقد الشرع وماكرون مؤتمراً صحفياً مشتركاً، بعد اجتماعهما في قصر الإليزيه.
وفيما يأتي النص الكامل لكلمتيهما...
بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤتمر الصحفي بإلقاء الكلمة الآتية:
السيد الرئيس، السادة السفراء والمسؤولون والسادة الصحفيون، إن فرنسا تربطها بسوريا علاقة تاريخية طويلة. لم يُضعف هذه العلاقة القمع الذي مارسه نظام الأسد، ولطالما كان ولاؤنا ووفاؤنا للشعب السوري، الذي أظهر شجاعة كبيرة منذ عام 2011.
تطلعات الشعب السوري هي تطلعات حرة وفريدة، بأن يعيش الجميع كمواطنين سواء، بغض النظر عن دينهم أو أصولهم. لقد حافظنا على هذه التطلعات خلال السنوات الـ14 الماضية، وواجهنا جرائم النظام ضد شعبه. استقبلنا "قيصر" اليوم، وهو شخصية شجاعة ساهمت في كشف الحقائق، وأود أن أشكركم على هذه المبادرة.
إن العدالة يجب أن تُطبَّق على من تورطوا في الجرائم، خاصة فيما يتعلق باستخدام السلاح الكيميائي. وضعنا خطًا أحمر واضحًا على هذا النوع من الجرائم، وتحركنا على الأرض. كما شاركت فرنسا في التحالف الدولي ضد داعش، دون أن نتعاون مع من يرتبطون بالنظام السوري.
اليوم، تتطلب تطلعات الشعب السوري منا ومنكم، يا سيدي الرئيس، تحمُّل مسؤوليات جديدة. سقوط بشار الأسد كان أمراً مرحَّباً به من الجميع. لكن أمامكم الآن تحدي إدارة وضع معقد لإيجاد طريق السلام، والمصالحة الوطنية، والوفاق بين كل أبناء البلد.
قبل أسابيع، كان هنا وزير خارجيتكم، وناقشنا ضرورة انتقال سلمي يضمن سيادة سوريا واستقرارها، ويضم جميع مكونات المجتمع المدني، ويعمل على إدماجهم. نحن نؤمن بأن لكل السوريين، بمختلف انتماءاتهم، حقاً في حياة كريمة، وفرنسا ستواصل دعمها لكم في ذلك.
لقد فكرت في شخصيات مثل بسمهاني وعمر عزيز، وغيرهم ممن حملوا أمل التغيير بشجاعة، منذ الثامن من ديسمبر الماضي. كانت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو إلى دمشق، مع نظيرته الألمانية، في الثالث من يناير، زيارة رمزية مهمة. كما استضافت باريس مؤتمراً حول مستقبل سوريا حدد أهداف المرحلة الانتقالية، وأظهر الدعم الدولي لهذا المسار.
لا نتجاهل بالطبع ما مرَّت به سوريا من عنف طائفي، مثل المجازر التي حدثت في مناطق الدروز، حيث قتل مئات الأشخاص، وكذلك في الساحل السوري، حيث قتل أكثر من 1600 من العلويين. لقد عبرنا مراراً عن رفضنا لهذه الانتهاكات، وطالبنا السيد الشرع بحماية كل السوريين دون تمييز، ومعاقبة المسؤولين ومحاكمتهم.
فرنسا لا تأتي لتقدم الدروس لأحد، بل لتعمل ضمن إطار دبلوماسي واقعي. نحن ندرك الوضع الصعب الذي تواجهونه، ونشارك الشعب السوري تطلعاته المشروعة. إن استقرار سوريا ليس مهماً فقط لسوريا، بل لكل المنطقة، بما فيها فرنسا.
علينا البحث عن الاستقرار من خلال الحوار الدبلوماسي، وتلك قضية العدالة أيضاً. يجب محاسبة من ارتكبوا الجرائم ضد المدنيين، وخاصة ضد العلويين، ويجب محاكمتهم في محاكم عادلة. سنعمل مع الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على هؤلاء المجرمين.
بعد سنوات من المعاناة، هناك تحديات اقتصادية كبيرة. ولا يمكن لسوريا أن تستعيد استقرارها أو تستضيف اللاجئين العائدين من دون بنية تحتية قوية وتنمية اقتصادية حقيقية. السوريون، حتى من في الخارج، يريدون المشاركة في إعادة بناء بلدهم. سنكون معكم في هذا الطريق، وسنعمل على رفع العقوبات تدريجياً، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وأصدقائنا الآخرين.
كما سنعمل مع الشركاء الإقليميين لعودة السوريين إلى بلادهم، مع ضمان استخدام الأموال الدولية بكفاءة. فرنسا ستحرص على أن تكون الأولويات الاقتصادية والإنسانية هي الأساس، لأن استقرار سوريا مهم لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها، وأمن الفرنسيين والأوروبيين كذلك.
تعلمنا من السنوات الماضية أن سوريا قريبة جداً منا، ويمكن لأي توتر فيها أن يؤثر علينا مباشرة. الإرهاب لا يزال تهديداً قائماً، وداعش تبقى أكبر تهديد إرهابي. شهد الفرنسيون أعمالاً إرهابية، ونحن ملتزمون بالتعاون معكم في مكافحة الإرهاب، ونأمل أن تقف الولايات المتحدة معنا في هذه الجهود.
أكدت للرئيس [الشرع] أن قوات سوريا الديمقراطية كانت شريكًا استراتيجيًا في الحرب على داعش، وأن الاتفاق الذي وقع في العاشر من مارس هو خطوة مهمة نحو تحقيق الشراكة بين كل مكونات الشعب السوري. سنفعل كل ما في وسعنا لدعم تطبيق هذا الاتفاق بشكل كامل.
أكد الرئيس أنه لن يسمح بأن تكون سوريا ملجأً للمجموعات الإرهابية، وهذا أمر بالغ الأهمية. كما نقدر التعاون المستمر معكم في مجال نزع السلاح الكيميائي، وندعم جهودكم في مكافحة تجارة الكبتاغون، التي كانت تموّل النظام السابق.
سوريا عليها دور إقليمي كبير، وعلينا أن نراها تساهم في استقرار المنطقة. لاحظنا تحسناً في الحدود مع لبنان، وأكد الرئيس الشرع مراراً رغبته في بناء علاقات طيبة مع دول الجوار، بما فيها «إسرائيل». وبعد محادثاتنا مع الرئيس اللبناني عون، أكدنا دعمنا لتأمين الحدود بين البلدين، وتعزيز التنسيق الأمني بين دمشق وبيروت.
هذا التنسيق ضروري لمنع عودة سوريا كحلقة وصل بين إيران وحزب الله، ولضمان استمرار وقف إطلاق النار في لبنان. فرنسا مستعدة لتسهيل المفاوضات بين البلدين لتحديد الحدود بدقة، ووضع الخبرات والأرشيف التاريخي في خدمتكم.
سنوسع تعاوننا معكم في مكافحة نفوذ إيران وحزب الله وكل وكلائها في المنطقة، لما لذلك من تأثير مباشر على استقرار سوريا ولبنان معاً.
هذه هي الكلمات التي أردت إيصالها بعد محادثات مطولة مع الرئيس، ومع وزرائنا الذين أجروا لقاءاتهم الخاصة. أود أن أشكر مرة أخرى الرئيس الشرع على المحادثات البنّاءة والواقعية التي تركز على المستقبل.
أؤمن بقوة أن السوريين والسوريات يستحقون مستقبلاً أفضل، يعيشون فيه في بلد آمن، حيث تتحقق المواطنة الكاملة، ويحترم فيه الجميع بغض النظر عن خلفياتهم. وفي كل خطوة تخطوها سوريا نحو هذا المستقبل، ستكون فرنسا إلى جانبكم، لأن هذا هو تاريخنا المشترك.
السيد الرئيس، شكراً لكم على زيارتكم، وشكراً لحضوركم. إليكم الكلمة...
كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،
أحب أن أتوجه بالشكر الجزيل للسيد الرئيس والشعب الفرنسي لاستقباله السوريين اللاجئين خلال سنوات الحرب الماضية، وعلى حفاوة استقبالهم لهم، وكرمهم الذي حظيوا به.
السيدات والسادة، أشكر الرئيس ماكرون على الدعوة الكريمة وحفاوة الاستقبال.
فهذه ليست مجرد زيارة دبلوماسية عابرة، بل هي لحظة اعتراف بقدرة الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره، وطاقته على إعادة بناء ما تم تدميره. لقد ارتبط اسم سوريا لعقد من الزمن بظلال الحرب والنزوح والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والجوع والحصار والموت.
عندما نهض الشعب السوري في عام 2011 ضد نظام الأسد، لم نكن نتوقع أن تمر ثورتنا بمراحل عدة، ولا أن يتعرض شعبنا لأقصى درجات العنف البشري في عهد من الرعب مارسه النظام السابق، وسط غياب شبه تام للمساءلة من قبل الكثيرين في المجتمع الدولي، مما دفع بالسوريين إلى أوضاع لا يتمنى أحد أن يمر بها.
لكن سوريا ليست مجرد ماضٍ موجع، إنها شعب رفض أن يُمحى ورفض الخضوع لحكم الاستبداد. شعب عاش جميع مراحل الثورة، لكنه يواصل الحياة، يثري المجتمعات التي يعيش بها، يتعلم لغات ومهارات جديدة، ويبذل ما بوسعه لانتشال بلده من الظلمة رغم القبضة الخانقة التي فرضها النظام عليه. إنه شعب فعل كل ما يلزم للبقاء رغم الإهمال والتقاعس والأحكام المسبقة من العالم، وفعل ذلك دون أن يتنازل عن إنسانيته، مهما سعت بعض الجهود لتجريده منها.
لقد كانت فرنسا صديقة للشعب السوري منذ انطلاق الثورة السورية المباركة، رفضت الانخراط مع نظام الأسد، وكانت من أوائل الدول الأوروبية التي طردت بعثاته الدبلوماسية إثر المجازر المروعة التي ارتكبها، وأول دولة أوروبية تعترف بالمعارضة السياسية آنذاك. استثمرت فرنسا في الجهود الإنسانية والسياسية وفي ملفات المساءلة في وقت قل فيه من يفعل ذلك، لتضمن أن ألم السوريين لم يُمحَ ولن يُنسى، ونحن نثمن لها ذلك.
ويكفي أن تمتلك دولة ذات رؤية مثل فرنسا تاريخاً من تشكيل ملامح الدولة الحديثة لتدرك وتقدر هذا الحق في دولة أخرى.
السيدات والسادة،
لقد ناقشت اليوم مع الرئيس إيمانويل ماكرون سبل التقدم المشترك بين سوريا وفرنسا في القضايا ذات الاهتمام المشترك. وكما أشار سيادته في كلمته، نحن ندرس آفاق التعاون في مجالات الأمن وإعادة الإعمار والتنمية، بالإضافة إلى العدالة والمساءلة. فإن أمن سوريا هو استقرارها، واستقرارها هو استقرار المنطقة بأكملها بل والعالم.
لقد واجهت سوريا ولا تزال تهديدات أمنية خطيرة، ونعمل بلا كلل على مواجهتها. سلامة المواطنين السوريين هي أولويتنا القصوى، وقد أكدنا ذلك للرئيس ماكرون اليوم. وكما أنه لا أحد أحرص على فرنسا من الفرنسيين أنفسهم، فإن الأمر ذاته ينطبق على سوريا.
نحن ندرك أن هذه الفترة صعبة، كما هي كل فترة ما بعد الثورة وما بعد الحرب، حيث تنتظر حسابات تُصفى، وتتلاطم في النفس السورية مشاعر الحزن والغضب والخوف والأمل. ونحن نحاول بشكل جماعي وفردي أن نستوعب انتهاء حكم استبدادي دام 54 عاماً، والذي استُخدمت فيه الطائفية والرعب كسلاح ضد المجتمع السوري.
لقد شهدنا في الأشهر الأخيرة أحداثاً مأساوية افتعلتها عناصر مسلحة من فلول النظام السابق، تسعى لخلق الفوضى وإشعال الفتن، مستغلة هشاشة الوضع. وقد استغل بعض المسلحين هذا الواقع ليبثوا الفوضى، فيما ضاعفت شبكات التضليل الإعلامي من خطورة الموقف لصناعة روايات مشوهة محملة بالعنف السياسي.
من جانبنا، تحركنا بسرعة لمعالجة الوضع، واعتقلنا الخارجين عن القانون، وشكلنا لجنتين: الأولى للتحقيق في الحوادث، والثانية لاستعادة السلم الأهلي والتواصل مع المجتمعات المتضررة. وقد أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع بجهودنا، وفتحنا الأبواب أمام لجنة التحقيق الدولية التي أثنت على تعاوننا الكامل معها.
كما ناقشنا التعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية، مع تقييم مساهمة فرنسا في هذا الشأن، والنظر في أطر جديدة للدعم الدولي. إن مكافحة الإرهاب مسؤولية عالمية.
وفيما يتعلق بتجارة الكبتاغون غير المشروعة التي فُتكت بها المنطقة، فقد أظهرنا أننا شريك جاد في مكافحة المخدرات. كما أننا تعاوننا مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي زارت سوريا عدة مرات، وقدرت شفافية تعاملنا وتيسيرنا لمهامها، مما يؤكد التزامنا الكامل بمعالجة كل أثر للسلاح الذي كنا ضحاياه.
ناقشنا كذلك الاتفاق الجاري مع قوات سوريا الديمقراطية، مدركين أن فرنسا تتعاون معهم منذ فترة في ملف مكافحة داعش. كما تناولنا قضية المقاتلين الأجانب الفرنسيين في سوريا والخطوات التالية بهذا الصدد.
وتطرقنا إلى أمن حدودنا والتهديدات «الإسرائيلية» المستمرة، حيث قصفت «إسرائيل» سوريا أكثر من 20 مرة خلال الأسبوع الماضي فقط، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وجرح ستة آخرين، تحت ذريعة حماية الأقليات. كما ناقشنا الوضع الحدودي مع لبنان، استمراراً للنقاشات السابقة، وضماناً لأعلى درجات الأمان وتفادي التصعيد هناك.
سيادة الرئيس، السيدات والسادة،
لقد ورثنا بنية تحتية مدمرة ومنهارة في سوريا، وكثير منكم رأى مقاطع الفيديو لمواطنين سوريين عادوا إلى منازلهم لأول مرة منذ أكثر من عقد ليجدوها أطلالاً. ليست كل الأماكن خراباً، لكن هناك بلدات سُرقت أسطح بيوتها، ومدن بلا كهرباء، ومخيمات تؤوي مليوني سوري، وسدود وجسور بحاجة إلى إصلاح.
إعادة الإعمار من أولوياتنا القصوى. نقوم حالياً بتقييم احتياجات كل شبر من البلاد لضمان حصول كل مواطن على حياة كريمة وخدمات أساسية ومكان آمن يعود إليه بعد 14 عاماً من التهجير. وقد بحثنا مع الرئيس ماكرون مساهمة فرنسا في جهود إعادة الإعمار.
ندرك أن التحديات جسيمة، فإعادة البناء ليست مجرد مسألة ميزانيات وإسمنت، إنها إعادة بناء الثقة، ومواجهة للآثار النفسية العميقة، وضمان ألا يُحكم السوريون مجدداً بالخوف أو الصمت. لا مكان مستقبلاً للفتن الطائفية، ولا للسماح بانتهاك سيادتنا من أطراف خارجية.
مستقبل سوريا لن يصاغ في الغرف المغلقة، أو يفرض من عواصم بعيدة، بل سيبنى في العلن، بأيدي المعلّمين العائدين إلى صفوفهم، والمزارعين الذين يفلحون الأرض من جديد، والصحفيين والقضاة والشباب، الذين يناقشون ويعبرون عن آرائهم بحرية وشفافية.
شكراً لكم مجدداً، شكراً لكم سيدي الرئيس
معلومات إضافية
- المصدر:
- وكالات