ألمانيا تقطع تمويل جمعية مصريّة نسويّة بسبب إدانتها "إسرائيل" (فضيحة جديدة للنفاق الغربي)
أوقفت الحكومة الألمانية بدايةً من الشهر الماضي تمويل مشروع مناهضة الإتجار بالنساء، الذي تنفّذه مؤسسة قضايا المرأة في مصر، اعتراضًا على توقيع رئيسة مجلس أمناء المؤسسة، المحامية عزة سليمان، على بيان لوقف الحرب على غزة ومقاطعة البضائع "الإسرائيلية" وقطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل"، بحسب ما قالته سليمان لـ«مدى مصر».
وأعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وقف التعاون الحالي والمستقبلي مع الحكومة الألمانية بشأن المشاريع التنموية، كما قرر مديرها حسام بهجت سحب ترشّحه للجائزة الفرنسية الألمانية "لحقوق الإنسان وسيادة القانون"، المقرر إعلانها في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، 10 ديسمبر الجاري، مشددًا في حديثه لـ«مدى مصر» على أن موقف ألمانيا من الحرب في فلسطين هو الأكثر انحطاطًا بعد الولايات المتحدة عن باقي الدول الغربية، موضحًا أنّ ألمانيا ضاعفت صادراتها من السلاح "لإسرائيل" لتقتل به المدنيين في غزة.
من جانبها، قالت السفارة الألمانية بالقاهرة في بيان مقتضب لـ«مدى مصر» إنّ ألمانيا لا تعلّق على شركائها في المشاريع وقرارات التمويل كلٌ على حدة، لافتة إلى أنّ أحد معاييرها للتمويل الحكومي هو أن تكون المنظمات غير متحالفة مع حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS) أو تدعو بأيّ شكل من الأشكال إلى مقاطعة "إسرائيل"، مشيرة إلى أن عوامل مثل "معاداة السامية" ليست معيارًا لهذه القرارات.
وأوضحت سليمان أنها تلقّت عدة خطابات من السفارة الألمانية في القاهرة خلال الفترة من 7 وحتى 30 نوفمبر الماضي، تعتذر فيها السفارة عن تمويل حكومتها للمشروع، بسبب توقيعها كممثلة لمؤسسة قضايا المرأة على بيان يطالب بمقاطعة "إسرائيل" وفرض عقوبات اقتصادية عليها.
وأضافت سليمان أنّ السفارة أرجعت قرارها إلى أن القانون الألماني لا يسمح بدعم منظمات غير حكومية تدعو لمقاطعة "إسرائيل" والتشكيك فيها، وهو ما اعتبرته سليمان «تضليلًا من الحكومة الألمانية التي تتحجّج بقرار غير ملزم سبق وأبطلته كثير من المحاكم الألمانية، وتعبيرًا عن رغبتها في التطهّر من تاريخ بلدها الدموي تجاه اليهود على جثث المنظّمات الأهلية وجثث المدنيين في غزة»، قائلة: «إحنا في مرحلة تاريخية منحطّة وحرجة تسقط فيها الأقنعة من وجوه كل الداعمين لحقوق الإنسان».
ولفتت مديرة «قضايا المرأة» إلى أنها طالبت السفارة في ردّها على الخطاب بموافاتها بنسخة من القانون الذي يمنع تمويل المنظمات الحقوقية التي تطالب بتطبيق القانون الدولي الإنساني ووقف الانتهاكات وجرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين في فلسطين، مضيفة أن السفارة ردّت عليها بإرسال نسخة من قرار صادر عن البوندستاغ (البرلمان الألماني) بحظر أنشطة حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS) بتاريخ مايو 2019 ونسخة من مناقشات البرلمان بشأنه، رغم أن هذا القرار أبطلته عدة محاكم ألمانية، فضلًا عن أنه لا يمكن اعتباره قانونًا.
وأمام إصرار السيدة سليمان على مطالبة السفارة الألمانية بتوضيح القانون الذي استندت إليه الحكومة الألمانية في وقف تمويل كيان أهلي نسوي بسبب موقفه من الحرب في غزة، رد عليها السفير في خطاب يوم 30 نوفمبر الماضي، اعترف خلاله بأن القرار يستند إلى مادة في قانون الموازنة الألماني تشترط توافر «منفعة معتبرة» لألمانيا لموافقة حكومتها على تمويل أي مشروع في أي دولة خارجها.
ولفتت سليمان إلى أنها لم تردّ الطعن على القرار، وإنما تعمّدت في عدة خطابات إلى السفارة توضيح حالة التضليل التي تتبعها الحكومة الألمانية التي تتحدّث عن حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه تقف ضد وقف الحرب في غزة، وتعاقب من يعبّر عن رأيه تجاه الجرائم "الإسرائيلية"، مشيرة إلى أن السفارة الألمانية بالقاهرة هي نفسها من سعت وحصلت على موافقة وزارة التضامن الاجتماعي على المشروع باعتباره متفقًا مع أجندتها النسوية، والآن تتوقف عن تمويله بحجة أن القواعد الألمانية تمنع تمويل أي كيان معادٍ "لإسرائيل"، وهو ما اعتبرته متفقًا مع أهواء الحكومة الألمانية وازدواجية معاييرها بشأن قضايا حقوق الإنسان.
وقالت سليمان إنها عبّرت في خطابٍ للسفارة عن خيبة أملها من موقف حكومة ألمانيا من الحرب على غزة، وقراراتها بعقاب المنظّمات الحقوقية الرافضة للحرب، رغم ادعاءاتها المستمرّة بدعم حقوق الإنسان والسياسة الخارجية النسوية، مشددة على أنه رغم تحذيرات خبراء الأمم المتحدة بشأن خطورة الوضع في غزة، فإنها لم تقم بإدانة الإبادة الجماعية المحتملة لشعب غزة، وقتل أكثر من 14 ألف مدني، بينهم أكثر من 68% من النساء والأطفال، وقصف المدارس والمستشفيات، ولم ترَ الحكومة الألمانية أن الحرب على غزة تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وهو ما اعتبرته سليمان «شكلًا من أشكال الفاشية والقمع والاستعمار».
كانت سليمان قد وقّعت إلى جانب رؤساء 254 جمعية أهلية في مناطق مختلفة من العالم على بيان حصل «مدى مصر» على نسخة منه، في 26 أكتوبر الماضي، يندّد بالجرائم "الإسرائيلية" ضد المدنيين في فلسطين، ويناشد الدول الأعضاء في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، الصادرة في ديسمبر 1948، بمطالبة محكمة العدل الدولية بإصدار أمر ملزم بوقف "إسرائيل" لحربها على غزة، ومقاضاتها والدول الداعمة لها في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، فضلًا عن المقاطعة الاقتصادية "لإسرائيل"، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وعدم الاعتراف بأي مواقف قد تنشأ نتيجة الحرب على غزة.
كما عبّرت سليمان، الحاصلة على الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون عام 2020، نهاية أكتوبر الماضي، عن رفضها لمواقف وتصريحات الحكومتين الألمانية والفرنسية بشأن الهجوم "الإسرائيلي" على المدنيين في غزة، في رسالة شاركت في كتابتها إلى جانب تسعة آخرين من الحاصلين على تلك الجائزة في الفترة من 2017 حتى 2022.
من ناحيته، قال بهجت إنّ «المبادرة» أبلغت السفارة الألمانية بالقاهرة، كتابةً، في 25 أكتوبر الماضي، بوقف جميع أشكال التعاون معها، اعتراضًا على موقفها من الحرب في غزة، لافتًا إلى أن الحكومة الألمانية كانت تموّل مؤخرًا مشروعاً خاصاً بتقديم المساعدة القانونية المجانية لضحايا حقوق الإنسان في مصر بالتعاون مع المبادرة، لكن «المبادرة» أوقفت العلاقات معها بعد موقفها الذي عبّرت عنه في اجتماعين على مستوى الاتحاد الأوروبي، ثم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت في مقدمة الدول المعروفة بدعمها "لإسرائيل" (المجر والتشيك والنمسا) وتصويتها برفض وقف إطلاق النار في غزة واستمرار الحرب.
وأشار بهجت إلى أنه أبلغ السفير الألماني في القاهرة خلال الأسبوع الثالث من الحرب على غزة، بأن موقف برلين تجاه الحرب وقتل المدنيين في غزة يجعل مساحات القيم المشتركة للحقوقيين والنسويين والإعلام المستقل في مصر مع ألمانيا محلّ شك كبير.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية وافقت الحكومة الفيدرالية حتى 2 نوفمبر الماضي على زيادة أذون صادرات الأسلحة الألمانية إلى "إسرائيل" خلال العام الجاري بمعدل عشرة أضعاف مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، وبلغ عدد الطلبات التي تمت معالجتها بشكل نهائي 185 طلبًا منذ وقوع هجوم حماس الأخير على "إسرائيل".