هل تطبّق ألمانيا مزاعمها «تخفيف» شروط الفيزا لمتضرري زلزال تركيا وسورية؟

هل تطبّق ألمانيا مزاعمها «تخفيف» شروط الفيزا لمتضرري زلزال تركيا وسورية؟

رغم إعلان السلطات الألمانية أنها «خففت» شروط الحصول على التأشيرة (الفيزا) للناجين من الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية، لكن تبيّن أنّ إعلانها يبدو دعائياً أكثر منه حقيقياً على أرض الواقع، وفق ما يتبيّن من تحقيق إعلامي حول الموضوع نشرته وسيلة إعلام ألمانية رسمية هي «دويتشه فيلله» DW يوم أمس الأحد 5 آذار 2023.

 وبحسب وكالة الإعلام الألمانية الرسمية فإن تطبيق «التخفيف» المزعوم لشروط الحصول على الفيزا اصطدم بما أسمته «عقبات بيروقراطية» تحول دون تنفيذ القرار.

وذكر تقرير DW قصة امرأة تدعى ثريا إينال، التي تشعر بالغضب كلما تحدثت عن الموضوع؛ وهي مستشارة ضريبية، تعيش في العاصمة الألمانية، برلين، تنحدر في الأصل من مدينة أنطاكيا الواقعة في لواء الإسكندرون (مقاطعة هاتاي كما تسميها تركيا).

ولواء الإسكندرون من المناطق التي ضربها الزلزال المدمر السادس من شباط الماضي. وتتذكر ثريا الرعب الذي عاشته عند سماعها بالخبر يوم السادس من شباط/فبراير. حاولت لساعات الاتصال بأي من أفراد أسرتها، لكن محاولاتها باءت بالفشل. وبعد أكثر من أسبوعين، كان ما زال بعض أقاربها مفقودين. نجا عمها وأخت زوجها من الموت، وتعمل بدأب لإحضارهما إلى برلين لفترة إلى أن يتمكنا من تجاوز صدمتهما.

عندما علمت ثريا أن وزارة الخارجية الألمانية تعتزم تخفيف قيود التأشيرة للناجين من الزلزال، «شعرت بأمل كبير»؛ فالقرار يفترض أنه سيسمح للمواطنين الألمان أو من يحملون تصريح إقامة بدعوة الأقارب من الدرجة الأولى والثانية إلى ألمانيا لمدة 90 يوماً، شريطة أن يوقعوا تعهداً بالتكفل بنفقات الضيوف الطبية ونفقات المعيشة أثناء وجودهم في ألمانيا. الوضع المادي لثريا جيد ولا تعترض على الشرط سالف الذكر، ولكنها تتساءل عن جدوى إرسال التعهد إلى أسرتها في تركيا، خاصةً بعدما لم يبق لهم عنوان هناك بعد الزلزال. إضافة إلى ذلك، تتساءل المتحدثة عن سبب منعها من دعوة أقارب مثل عمها وأخت زوجها وابن عمها باعتبارهم ليسوا أقارب من الدرجة الأولى ولا من الدرجة الثانية: «كل ما أريده هو تقديم المساعدة، لكن الأمور لا تجري بسرعة كافية، أشعر بالخذلان فعلاً»، تقول ثريا في تصريح لـ DW.

 أجرت DW حديثاً صحفياً مع المحامي المختص في قضايا الهجرة، إنجين سانلي، في العاصمة التركية إسطنبول. قدم المحامي من مدينة شتوتغارت في جنوب ألمانيا إلى إسطنبول للوقوف على حقيقة تخفيف قيود التأشيرة المعلنة من طرف ألمانيا. عائلة زوجته تضررت من الزلزال أيضاً؛ إذ فقدت زوجته أربعة أبناء عمومة في الكارثة. قبل مغادرته إلى تركيا يقول إنجين سانلي إنه كان متفائلاً للغاية بشأن موضوع تخفيف قيود الحكومة الألمانية للحصول على التأشيرة للمتضررين لمن لهم عائلات في ألمانيا، وصرح لجريدة Stuttgarter Nachrichten الألمانية بأنها كانت «خطوة إيجابية فريدة». وأضاف أن المنحدرين من أصول تركية في ألمانيا يقدرون هذه الخطوة كثيراً، بيد أنه ومنذ الوصول إلى إسطنبول، تضاءل تفاؤل سانلي شيئاً فشيئاً. يقول «هناك عقبات لا يمكن التغلب عليها. فمن أجل أن يزور الناجون من الزلازل الأقارب في ألمانيا لمدة 90 يوماً كحد أقصى، فإنهم بحاجة إلى إبراز عشر وثائق»!

من بين العقبات التي يواجهها الناجون من الكارثة ممن يريدون القدوم إلى ألمانيا بضيافة ذويهم هي مشكلة حيازة جواز سفر. لا يمتلك جميع المواطنين الأتراك جواز سفر، لأن الحصول عليه مكلف ولا يستعملونه إلا للسفر خارج البلد. بالإضافة إلى ذلك، كان الناجون من الزلزال منشغلين بالحفاظ على سلامتهم والفرار من الخطر ولم يفكروا في الوثائق التي يجب حملها. باختصار بقيت معظم جوازات سفر الناجين من الزلزال تحت الأنقاض. وحتى إذا كان مكتب جوازات السفر يعمل في المنطقة المنكوبة، فيتعين على المرء العثور على مصور يمكنه التقاط صورة بيومترية له، والتوفر على رسوم الطلب. وعلاوة على كل ذلك، يستغرق إصدار جواز السفر الجديد ثلاثة أشهر على الأقل.

بالنسبة لإنجين سانلي هناك حل بديل، إذ بإمكان الناجين من الزلزال الذين لا يملكون جوازات سفر إثبات هويتهم بمساعدة بوابة الحكومة الرقمية في تركيا E-Devlet. وأكد المحامي أن الإدارة في تركيا تقدمت من الناحية الرقمية أكثر من ألمانيا، ويمكن للمواطنين الأتراك الوصول بسهولة إلى مجموعة من المستندات الشخصية، مثل السجلات الجنائية والسجلات العائلية، من خلال بوابة واحدة عبر كلمة مرور شخصية. ويقول إنجين سانلي إن السفارة الألمانية في أنقرة، أو القنصليتين الألمانيتين في أزمير وأنقرة، يمكنهما إصدار تأشيرات سفر مؤقتة باستخدام هذا النظام الرقمي. وبينما الأمور تقف عند هذا الحد بالنسبة للبالغين المتضررين من الزلزال، فهي أكثر تعقيداً بكثير بالنسبة للأطفال الذين أصبحوا أيتاماً بفعل الزلزال؛ إذ أن هذه الفئة لا تحتاج فقط إلى جميع الوثائق من جديد، بل وفوق ذلك إلى إذن من محكمة الوصاية التركية قبل أن يتمكن الأيتام من زيارة أقاربهم في ألمانيا. يقول إنجين سانلي إن الطلب كبير على رعاية هؤلاء الأطفال «الذين يحتاجون فقط إلى الأمان». ويكافح هو وزملاء له لتحصيل إقامة دائمة لهم في ألمانيا، ويتساءل «أين سيذهب أولئك الأيتام بعد 90 يوماً؟».

غوكاي صوفوغلو، رئيس «جمعية الجالية التركية في المانيا» TGD، لا يجد الفكرة صائبة، ويقول في مقابلة مع DW في نهار برليني عاصف وماطر شارك فيه في وقفة تضامنية مع ضحايا الزلزال أمام بوابة براندنبورغ التاريخية بحضور الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير إن «الأطفال سيتضررون من إحضارهم إلى دولة أجنبية يتحدث فيها الناس لغة أجنبية». بدلاً من ذلك، يعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتم دعوة الأقارب المتضررين إلى ألمانيا لمدة ثلاثة أشهر لمنحهم فرصة للراحة والتعافي. ويؤكد غوكاي صوفوغلو أن هذه الفئة لا يمكن اعتبارها لاجئة، وأنهم يريدون فقط البقاء لفترة قصيرة في ألمانيا. ومن أكثر ما يقلق المتحدث هو أن الاستقبال المؤقت للناجين من الزلزال سيؤثر على الجدل الدائر بشأن الهجرة في ألمانيا. وعبر الكثيرون عن قلقهم من موضوع التأخر في إصدار التأشيرات للناجين، بسبب المعاملات البيروقراطية الألمانية المعقدة. وقالت نائب رئيس البرلمان الألماني (بوندستاغ)، آيدان أوز أوغوز، لوكالة أنباء Redaktionsnetzwerk Deutschland: «سلطاتنا تستغرق وقتاً طويلاً للبت بشأن التأشيرات العادية. في حالة الناجين من الزلزال، يحتاج الأمر إلى إيجاد طريقة للعمل بشكل أسرع».

على الرغم من الوفيات والدمار الكبير الذي شهدته تركيا، إلا أن الأتراك في المناطق المنكوبة لم يتهافتوا على الحصول على التأشيرات. يوم الثلاثاء الماضي، زارت وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، ووزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، المنطقة المتضررة من الزلزال في جنوب شرق تركيا. ومن هناك، أعلنتا أن مكتب التأشيرات الألمانية في غازي عنتاب، المدينة الأقرب إلى منطقة الزلزال، منحت 120 تأشيرة فقط طيلة الأيام الماضية. لا يعتقد صوفوغلو أنه سيكون هناك طلب كبير من الأتراك على التأشيرات الألمانية المؤقتة، لكنه يرى أن المساعدات في عين المكان أكثر أهمية، خاصة بالنسبة للضحايا في سورية الذين يكاد يكون حصولهم على تأشيرة إلى ألمانيا مستحيلاً.

يجدر بالذكر بأن هناك 3 ملايين شخص يعيشون في ألمانيا من أصول تركية، كما أن هناك أعداداً كبيرة من المهاجرين السوريين في ألمانيا تستفيد منهم ألمانية كعمّال في عدة مهن بما في ذلك عدد مهم من الأطباء السوريين الذين يعالجون المرضى الألمان في المشافي والعيادات، علماً بأنّ الصليب الأحمر الألماني، مع ذلك، تأخر ثلاثة أسابيع بعد الكارثة حتى أرسل بعض المساعدات إلى سورية. هذا وتلتزم السلطات الألمانية بإجراءات العقوبات الغربية بقيادة واشنطن على سورية، ولم تقم لا واشنطن ولا أيّ من الدول الغربية التي تمارس العقوبات الإجرامية على سورية برفع كامل لهذه العقوبات حتى الآن.

معلومات إضافية

المصدر:
DW + وكالات
آخر تعديل على الإثنين, 06 آذار/مارس 2023 18:30