الوضع «أكثر تأزماً» في كل سورية!
خلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة اليوم الإثنين 29 آذار حول الوضع الإنساني في سورية، كان مستغرباً حقاً، أن نسمع من السيد سيرجي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي خلال توصيفه للوضع الإنساني في سورية قوله: «من الملفت للنظر أن الوضع الأكثر تأزماً تشهده المناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق في شمال غرب وشمال شرق سورية»...
ولا نعلم إنْ كان هذا الكلام يعبر فعلاً عن الموقف الروسي الذي لم نعهده هكذا، أم هو ناجمٌ عن نقص معلومات عند السيد فيرشينين تحديداً؛ فحقيقة الأمر هي أنّ الأوضاع الإنسانية في كل مناطق سورية هي أوضاع شديدة السوء، وشديدة السوء والتأزم إلى ذلك الحد الذي تفقد فيه المفاضلة بين منطقة وأخرى أي معنىً لها، فكيف إذا كانت المفاضلة تدور حول «من هو الأسوأ»؟!...
الوقائع في سورية اليوم تقول إن هنالك «ثلاثة اقتصادات» مأزومة تعيش جنباً إلى جنب. في الأول حيث المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، يظهر التأثير الأشد لعقوبات الغرب وحصاره الخانق والقاتل للسوريين، وتظهر نتائج ذلك بتدهور سريع على كل الصعد. ولكن ما ينبغي أن يكون واضحاً تماماً، هو أن الفساد الكبير المتحكم بمفاصل جهاز الدولة السوري يساهم مساهمة فاعلة في عملية الخنق تلك.
في منطقتي الشمال الشرقي والشمال الغربي، واللتين يعيش السوريون فيهما أوضاعاً بائسة أيضاً، يجري العمل بطريقة مغايرة إلى حد ما؛ حيث يتم تخفيف أو تشديد العقوبات بشكل انتقائي هدفه ربط كلٍ من هاتين المنطقتين باقتصاد إقليمي مجاور بحيث تتعمق عزلة المناطق السورية الثلاث عن بعضها البعض... ومن هنا يمكن فهم الهوس الغربي بالمعابر العابرة للحدود... هذه الطرق المتباينة في التعامل مع المناطق السورية، تصل إلى حد أنّ الوقائع، ورغم أنها متقلبة بطبيعة الحال، لكنها تشير إلى أنه في بعض الأحيان، وفي ملفات معينة (الكهرباء مثلاً)، يجري تحسن ملموس في ظروف الحياة في مناطق في الشمال الغربي والشرقي، بشكل أكبر من ذلك الذي في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام! والهدف الواضح من وراء ذلك هو تعميق ارتباط الشمال الشرقي والشمال الغربي بكل من شمال العراق وتركيا على حساب ارتباطهما ببعضهما وببقية مناطق سورية.
إنّ الهستيريا الغربية ضد أي منافذ عبور داخلية بين المناطق الثلاثة، تنبع بالذات من هذه النقطة؛ فالمعابر الداخلية من شأنها أن تعيد إحياء الدورة الاقتصادية الطبيعة لسورية، وهذا بحد ذاته أمر مطلوب ليس لإنقاذ السوريين في المناطق الثلاث من أوضاعهم الكارثية فحسب، بل ولإنقاذ سورية نفسها من التقسيم...
هذا كله، لا يعني إطلاقاً أنّ وضع السوريين في إحدى المناطق «أفضل» منه في منطقة أخرى، خاصة وأن المناطق السورية كلّها تسير عموماً باتجاه الأسوأ يوماً وراء آخر، ولعل ما قاله السيد فيرشينين في مداخلته نفسها عن أنّ نسبة من هم تحت خط الفقر من السوريين قد تجاوزت 90% تكفي وحدها للتعبير عن مدى سوء الوضع.
إنّ الأوضاع الإنسانية في سورية مرتبطة بلا شك، ارتباطاً عميقاً بالتأثير الإجرامي للعقوبات الغربية، ولكن أيضاً بتقطع أوصال البلاد وبسطوة الفاسدين الكبار والمتشددين من الأطراف السورية المختلفة الذين يمانعون الحل السياسي ويقفون عملياً في صف تجار الحرب، ويحاولون البحث عن «تمايزات» و«مفاضلات» بين منطقة سورية وأخرى، للحفاظ على سطوتهم من جهة، ولتمديد الأزمة وتأجيل الحل من جهة أخرى... وهذا المنطق كله يصب ضد مصلحة سورية والسوريين.
إنّ معالجة شاملة للوضع السوري، كما أكدنا مراراً، ينبغي أن تنطلق من أنّ المأساة الإنسانية السورية التي يعيشها كل السوريين في كل مناطق سورية وخارجها، ينبغي أن تتوقف اليوم قبل الغد... وتحقيق ذلك يمر حصراً عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، أي عبر حل سياسي شاملٍ يقرر الشعب السوري فيه مصيره بنفسه...