لافروف: التفاوض يكون فقط مع الذين يؤمنون بوحدة اراضي سورية وبعلمانيتها وبتعايش كافة قومياتها واديانها

لافروف: التفاوض يكون فقط مع الذين يؤمنون بوحدة اراضي سورية وبعلمانيتها وبتعايش كافة قومياتها واديانها

ادلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحديث الى قناة RT تطرق فيه الى الازمة السورية والمعضلات التي تعرقل سبل تسويتها، والى الملف النووي الايراني وافاق التوصل الى حله سلميا، وكذلك الى عدد اخر من المشاكل الدولية الملحة. اليكم ما جاء في الحديث:

س - ينضم إلينا الآن على قناة RT سيرغي لافروف على خلفية قمة آبيك في بالي. شكرا لك سيد لافروف على منحنا بعضا من وقتك وانضمامِك إلينا على قناة RT. سأبدأ من فضلك بالحديث عن سورية. فقد قلت يوم الاثنين أن مؤتمر جنيف 2 لمباحثات السلام حول سورية يمكن أن يبدأَ مطلَعَ شهر نوفمبر/تَشرينَ الثاني. ولكنني أريد أن اتحدث معكم عن مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد مع مجلة دير شبيغل الألمانية مؤخرا، حيث أعرب عن استحالة بحثِ حلٍ لأزمة بلاده مع العناصر المتطرفة من المعارضة، وقال إنها وَفق مفهومه للمعارضة السياسية يجب أن تكونَ غيرَ مسلحة. وأسأل هنا، هل يعني ذلك أنه بحاجة لإقناع اكثر لكي يجلسَ إلى طاولة المفاوضات؟

ج - بدايةً، أعتقد أن التواريخ المحتملة للمؤتمر أعلنها الأمين العام للأمم المتحدة في الأسبوع المفتوح للجمعية العامة، وتشاور معنا ومع الأمريكيين والأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن، واقترح أن يكونَ الموعد في بداية شهر نوفمبر/تَشرينَ الثاني. إننا مستعدون لإعلان الموعد في أي وقت، لأن معلوماتِنا تفيد بأن الحكومة السورية سترسل وفدها للتفاوض، والأمر الرئيس الآن هو أن نتأكدَ من مشاركة المعارضة، وأن تمثيلَها مناسب، ولا يتكون من مجرد مجموعة من أشخاصٍ يعيشون خارج سورية، ونريد أن يأتيَ تمثيل المعارضة من شريحة كاملة من المعارضين للنظام السوري، ومن ضمنها تلك التي تنشَطُ داخل البلد، كهيئة التنسيق الوطنية، والمجلس الكردي الأعلى. والتمثيل المناسب سيكون مُهما للمؤتمر مع صدور قرار مجلس الأمن 2118 ، والذي جرى اتخاذه إثرَ انضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، لأن جزءا من قرار إتلافِ الأسلحة الكيماوية يتحدث عن الحاجة إلى عقد المؤتمر، والتأكدِ من أن شرائحَ المجتمع السوريةَ كافةً ممثلةٌ فيه، وبالتالي فإن المؤتمرَ سيكون ناجحا في حال تمكنِ المعارضة من جلب كل الراغبين بالتغيير في سورية للتفاوضِ مع وفد الحكومة. وبشأن اللقاءات الصُحُفية، التي يجريها الأسد بسخاء في الأسابيع الأخيرة كما أعتقد، فإنني أؤمن بأن الوضع الذي يجب علينا التعاملُ معه في سورية يجري تقديرُ حيثياته بشكل مماثل من طرفنا ومن جهة الأمريكيين والأوروبيين ودول المِنطقة. والوضع في البلد يتدهور حقا، فمجموعات المعارضة المسلحة تنقسم على نفسها أكثرَ فأكثر، ومؤخرا ظهرت أنباءٌ بأن هناك نحوَ ثلاثةَ عشرَ قائدا ميدانيا أعلنوا أنهم لن يقبلوا تاليًا بتلقي الأوامر من الجيش السوري الحر وجناحه السياسي المتمثل بالائتلاف الوطني، بحسبما أفهم، وأنهم سيشكلون ما أسمَوْه حركةً لنشر قوانين الشريعة ليس في سورية وحدَها بل في محيطها أيضا، فيما أعلنت أربعَ عشْرةَ مجموعةً مسلحة أخرى أنها ستشكل جبهة إسلامية، وأولئك الأشخاص أقرب إلى تنظيم القاعدة منهم إلى الجيش السوري الحر الذي يجري الترويج له على أنه المعارضة العَـلمانية المسلحة. ويصب بالتالي ذلك التوجه في مصلحة الجهاديين والراديكاليين ممن يحاربون في سورية. وليست هذه هي قناعتنا وحدنا في أننا يجب ألا نتفاوض معهم وأننا لا يمكن أن نفعلَ ذلك، بل إنها قناعة الأمريكيين كذلك، إذ يجب التفاوض فقط مع أولئك الذين يقفون مع وَحدة الأراضي السورية وسيادتها، وأن يكون البلد متعددَ الإثنيات والمعتقدات الدينية والثقافات وعَـلمانيا، ولذلك أعود إلى بداية جوابي، فمن الأهمية بمكان أن يُمثَّلَ المعارضةَ السورية في مؤتمر جنيف خليطٌ مناسب من أطرافها. ولكن كما أعلن قادة دول مجموعة الثماني في "لوخ إيرن" في قمة حَزِيرانَ/يونيو الماضي، وأتذكر ما أعلنوه ثمانيتُهم، إضافة إلى كل الاتحاد الأوروبي، حيث دعَـوْا الحكومة والمعارضة في سورية إلى توحيد الجهود من أجل محاربة الإرهابيين والمتطرفين في سورية، وأعتقد أنها رسالةٌ مهمةٌ لا يجوز تجاهلُها.

س - في الأسبوع الماضي، نقلت وسائل الإعلام الروسية عن مصادرَ دبلوماسيةٍ لم تفصح عنها أن الهجوم الكيمياوي على ريف دمشق في الحادي والعشرين من أَغُسطس/آب شنته مجموعات تدعمها السُعودية. وكان التصريح من مصدر لم يُفصح عن اسمه. هل لدى موسكو أدلةٌ تدعم هذه المعلومات؟

ج - قرأت هذه التقارير، ونبحث في مشكلة استخدام الأسلحة الكيمياوية في سورية منذ أشهر، بَدءا من مارِس/آذارَ الماضي، ربما في التاسعَ عشرَ منه، حيث تم الإبلاغ عن حادثة مشابهة في ريف حلب، وحينها طلبت الحكومة السورية من الأمم المتحدة أن تحققَ في هذه الحادثة بالذات، ولكن الأمم المتحدة وتحت ضغوط أصدقائنا الأوروبيين رفضوا إرسال فريق للتحقيق فقط في هذه الحادثة، وطلبوا كشرط مسْبق أن يُسمح لهم بالدخول إلى أي مكان في سورية ولأي عضو في البَعثة، ويشبه ذلك ما جرى اشتراطه على نظام صدام حسين حين كانت الأمم المتحدة تبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. وقال السوريون إنهم على استعداد للتفاوض حول زيارة مواقعَ أخرى لديهم، وأشاروا إلى إن التحركَ بشأن حادثة حلب يجب أن يكون عاجلا لمقتل العديد من الناس آنذاك خلال أيام، وتساءلوا لماذا لا يرسل الأمميون خبراءهم. وبعد ذلك طلب منا السوريون أن نرسل خبراءنا، الذين أخذوا عينات من مِنطقة الحادثة ومحيطها، وذلك في توافق كامل مع قوانينِ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتأكدنا من تواصل الرقابة على العينات إلى حين تسليمها إلى مختبر في موسكو لتحليلها، وقمنا بتسليم النتائج إلى مجلس الأمن في نهاية شهر حَزِيران أو تموزَ الماضيين، وإننا مقتنعون من دون شك مَنطقي بأن الحادثة كانت استفزازا من جهة المعارضة، فقد تم إعداد غاز السارين محليا، وكذلك الأمر بالنسبة للصواريخ، وهناك حقائقُ أخرى تم إثباتُها خلال التحليل وكانت كلها في هذا التوجه. كذلك، إن لدينا أسبابا للاعتقاد بأن حادثة الحادي والعشرين من أَغُسطس/آب قامت بها المجموعة نفسُها من الأشخاص، والغاز الذي اكتشفه الخبراء الأمميون وقاموا بتحليله يشبه جدا مثيله الذي استخدم في هجمة الـتاسعَ عشرَ من مارِس/آذار الماضي، لكنّ الغازَ قرب دمشق كان أكثرَ تركيزا، وهناك وقائعُ أخرى يمكنك الحصول عليها من تقرير الخبراء ومصادرَ أخرى، متوفرةٌ في الإنترنت وأماكنَ أخرى، وكلها جعلتنا على قناعة بأن كل ذلك كان استفزازات من جهة المعارضة. نعلم بأن هناك الكثير من الأدلة في الإنترنت وغيرِها تشير إلى أن ممثلي بعضِ الدول الأجنبية متورطون في ذلك، ولا نستطيع أن نجزم بشأنهم، ولا نريد أن نتّهم أي طرف من دون سبب ومن دون أن يستحقوا ذلك، ولكن وبما أن الأدلة انتشرت بشكل واسع، ومجلسَ الأمن وافق على إصدار القرار 2118 بشأن الأسلحة الكيمياوية السورية، والذي تضمن بندا خاصا بعد الإجماع عليه، ينص على أن الجميع يرفضون كليا أيَ محاولات لإعطاء أي أسلحة كيمياوية أو مكوناتها لممثلين غير حكوميين، وأن ذلك ممنوع، وبعدها وكذلك بالإجماع دعا مجلس الأمن جميع الدول، وخاصة دولَ جوارِ سورية، الى عدم السماح باستخدام أراضيها لأغراض إنتاج وتسليم الأسلحة الكيمياوية أو مكوناتها إلى المعارضة السورية، وهذه رسالة هامة، وأعتقد أنها تعكس بأفضل شكل جِـدّيةَ جميع دول مجلس الأمن من حيثُ ضرورةُ أخذ التقارير التي تحدثنا عنها على محمل الجِـد.

س - بالعودة الى احتمال أن يكونَ هناك تلفيقٌ في الموضوع، واعتقادِكم بأن هذا بالضبط ما حصل. فَـلِـمَ برأيكم كلُ هذه الصعوبة في اقناع المجتمع الدولي بذلك؟

ج - برأيي أن ذلك يجري بسبب تحيز بعضِ الاشخاص، ومنذ البداية، من الذين استحوذت عليهم فكرةُ أن ذلك ليس الا نتاجا آخرَ للربيع العربي، في سبيلِ النضال من اجل الديمقراطية ومن اجل حياة افضلَ ضد الطغاة والديكتاتورية. ولكن حين نأخذ بعين الاعتبار الأوضاع في سورية، حيث تأتي الحياة هناك بالمزيد من الحقائق ووجهات النظر المنطقية، التي تؤكد أن الراديكاليين يحاولون السيطرة على مناطقَ شاسعة، يصبح من الصعب على الأشخاص، الذين كانت لديهم تفسيرات مسْبقةٌ أخرى للواقع السوري، أن يعترفوا بأنهم كانوا على خطأ. ولكن يتعزز الآن إدراكُ حقيقة الأمر والمخاطرِ، التي يمثلها المتطرفون على سورية وعلى شمال القارة الإفريقية عموما، وكان ذلك واضحا حين التقيتُ وزيرَ الخارجية الأمريكي جون كيري، وقلنا ذلك في مؤتمر صُحُفي في نيويورك، وفي المؤتمر الصُحُـفي هنا في إندونيسيا منذ أيام.

س - مع بَدء عملية اتلاف مخزون الاسلحة الكيمياوية السورية من قبل منظمة حظرالأسلحة الكيمياوية, واعتقادِكم بوجود مجموعةٍ من الانتهاكات حتى الان، هل تخشَوْنَ محاولاتِ الجماعات المتطرفة لاجهاض هذه العملية؟

ج - نعم. إنني اعتقد أن ذلك سيناريو محتملٌ جدا, واننا نرغب بتفاديه مهما كان الثمن، وفي الحقيقة فإن حادثةَ الحادي والعشرينَ من أَغُسطُس/ آب وقعت عندما وصل مفتشو الامم المتحدة الى سورية، و بدأوا القيام بعملهم. وقد تعرضوا لاطلاق نار من قبل قناصة، ولم يتم العثور على الجناة. ومن ثم حصل هذا العمل الاستفزازي على مرأىً من أعينهم. وإن المنطق يقول إنه ليس للحكومة من مصلحةٍ أو مكاسبَ للقيام بذلك. وبالعودة الى القرار 2118 حول هذه الحادثة المؤسفة، فقد اتفقنا بالإجماع على إضافة نقطةٍ إلى القرار الأممي تنص على أن الحكومةَ ليست وحدَها من يتوجب عليها التعاونُ بشكل مطلق مع المفتشين والامم المتحدة لتطبيق قرار الاتلاف، بل وجميعُ فصائلِ المعارضة السورية. وسيتحمل ممثلوها المسؤوليةَ إذا حصل شيء للمفتشين بفعلِ أعمال استفزازية يمكن أن يقوموا بها، ولا سيما اذا قاموا باستخدام الاسلحة الكيمياوية مرةً اخرى، فانه سيتوجب على اي طرف يقوم باستخدام الاسلحة الكيمياوية ان يتحملَ مسؤوليةَ ذلك امام مجلس الأمن.

س - لنبتعدْ قليلا عن موضوع سوريةَ, ونبقى في المِنطَقة. فقد قامت الولايات المتحدة الامريكية خلال هذا الاسبوع بزيادة تواجدها العسكري قُبالة سواحل ليبيا والصومال كجزء من حربها على الارهاب. هل تعتقدون أن امورا كهذه ستجعل المِنطَقةَ اكثرَ امنا؟

ج - يعتقدون بأن كل ما يفعلونه هو تطبيق للقانون الدولي, ولا سيما أن مشروعَ القانونِ الدولي المتعلقِ بمحاربة الارهاب لم يجرِ إبرامُه بعد, وهو يتألف من ثلاثةَ عشرَ بندا اساسيا – مثلَ القرصنةِ في اعالي البحار – الارهابِ النَووي, وهلمَّ جرا. وهناك مشروعُ وثيقة اممية تتعلق بمكافحة الارهاب، نحن نتباحث في امرها اكثرَ من عشرِ سنوات كما اظن. وذلك بسبب مشكلة واحدة – فعددٌ من الناس يرى أن بعضَ الذين يستخدمون الارهاب لتحقيقِ اهدافهم السِياسية لا يمكن تسميتُهم بالارهابيين، لأنهم يناضلون من اجل حريتهم. وإن هذه الفكرة قد تعمقت في التاريخ الحديث. فمنذ عدة سنوات مضت، ربما لم يكن من الضروري لنا تسميةُ المجاهدين في افغانستان وبعض الدول الاخرى بالمناضلين من اجل الحرية. إذ إن هؤلاءِ المناضلين من اجل الحرية تحولوا في نهاية المطاف الى تنظيم نطلق عليه الانَ اسمَ القاعدة. وهؤلاء هم وراءَ احداث الحادي عشرَ من سبتمبر. أنا اعتقد اولا: بأنه لا يمكنك تقسيمُ الإرهابيين إلى إرهابيين جيدين وارهاببين سيئين. ثانيا: لا يمكنك تطبيقُ القانون من خلال خرقه. واذا قلت إن القانونَ الخاص ببلدك يسمح لك بالقيام بذلك، فلا مشكلةَ طالما أنك قمت بذلك ضمن حدودك الخاصة. اما على الصعيد العالمي، فعليك ان تعلمَ أن هناك قانونا دوليا وعليك احترامُه واتباعه. وبالطبع هناك عيوب في القانون الدولي، وفي كثير من الامور. وبخاصة فيما يتعلق بإرهابيين معروفين يتنقلون في جميع انحاء العالم والجميع يعمل على تصيدهم. غير أنني أقول مرةً اخرى إن القوانينَ الدولية القائمة تسمح للدول، التي تسعى للقبض على ارهابي معين، بالتواصل مع السلطات المحلية للدولة، التي يتواجد فيها هذا الشخص، والقيامِ بالاجراءات المناسبة للقبض عليه وترحيله. واننا نسعى لأن نتمكنَ جميعا من مكافحة الارهاب سواء بقوانيننا الخاصة الفعالة على أراضينا، او في اطار القانون الدولي والذي يجب علينا تطويره قُـدُما.

س - الهدف المعلن من زيادة التواجد العسكري الأمريكي هذا الاسبوع هو استهداف العقل المدبر للهجوم على السفارتين الامريكيتين في إفريقيا عامَ 1998 ، اضافة الى الشخص المسؤول عن الهجوم على متجر (ويست غيت) في كينيا. وهم الاشخاص الذين تم استهدافهم. هل هذا العمل هو مثالٌ على ما ذكره الرئيس بوتين سابقا حول استثنائية الامريكيين ؟

ج - لن اقولَ إنه مثال واضح على استثنائية الامريكيين, فالامريكيون لا ينكرون أنهم يرغبون بأن يكونوا استثنائيين, لكنّ ذلك لا يساعدهم دائما في التواصل مع البشر. لا اريد التطرق إلى ما اذا كان ذلك مظهرا من مظاهر الاستثنائية أم نتيجةً لعقدة العظمة. فقد تناقشنا مع الولايات المتحدة حول عدة قضايا مماثلة، مرتبطةٍ بمواطنَين روسيَين اثنين، احدهما يدعى فيكتور بوت والثاني ياروشينكو، واللذَين تم اختطافُ احدِهما في تايلاند والآخرَ في ليبيريا. في البداية قيل أن مكتبَ التحقيقات الفدرالي اشتبه بانضمامهما الى جماعات تتاجر بالمخدِّرات، أما في حقيقة الأمر فقد تم استدراجُهما من خلال عرض صفقةٍ عليهما، وقد استطاع المحققون استمالتَهما بواسطةِ خِدْماتٍ قُدمت لهما، بما في ذلك – بطاقةُ طائرة – واشياءُ اخرى. ثم تم اعتقالهما وجلبُهما الى الولايات المتحدة. إن ذلك مخالفٌ لقوانينِ تايلاند وقوانينِ ليبيريا ايضا. وقد تم الحكم عليهما بالسَجنِ عشرين وخمسةً وعشرين عاما، بتهمةِ وجودِ نيِّةٍ لديهم للشروع بالجريمة فقط، وليس لافعال ارتكبوها، وكما قال كثيرون من المحامين، فإن القضاءَ الأمريكي حتى لم يستطع اثباتَ مبدأِ الشروع بالجريمة. إننا نؤمن بأن ذلك ليس الطريقةَ المناسبة للعلاقات الدولية، وليس الطريقةَ المناسبة لمحاربة المجرمين، حتى قبل ان تتأكدَ من كونهم مجرمين بالفعل، وقبل ان تتمَ احالتُهم الى القضاء.

س - هل يمكننا الحديث عن ايران - اثناء اجتماعات الجمعية العمومية سادت أجواءُ تفاؤل حذر حول توجه ايران الجديد، ولكن ليس بالنسبة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي قال إن امريكا قد خُدعت بالرئيس الايراني حسن روحاني – كيف قرأتم تقويم نتانياهو للوضع الايراني؟

ج - بكل تاكيد المزاج الذي كان سائدا حول ايران في لقاءات الجمعية العمومية موضع ترحيب بالنسبة لنا، كما اننا نرحب بتصريحات الرئيس روحاني ولقاءات وزير الخارجية السيد ظريف الذي حضر اجتماعات مجموعة الثلاثةِ زائدا ثلاثةً - والتي اعلن خلالها عن رغبة ايرانَ بحل مسألةِ المِلف النَووي الايراني، وقال ان فترة ستة الى ثمانية اشهر كافيةُ لحل القضية اذا ما تعاون الجميع، وانا اتفق معه - المهم ان تتعاون ايران في هذا الموضوع وان تجيب بشكل كامل عن الاسئلة المقدمة من وكالة الطاقة الذرية ومجلس الامن - وقد قامت ايران بتعيين موعد للقاء مع ممثلي المنظمة حول هذا الموضوع بالذات، ويجب عليهم تقديم اجابات عن مجموعة تساؤلات يصل عددها الى ستة تقريبا، وهي الاسئلة التي بحوزتنا منذ سنوات – كما وافقت ايران على اجراء جولة مفاوضات جديدة واستئناف الحوار مع مجموعة الثلاثةِ زائدا ثلاثةً في نهاية الشهر الحالي، ولإيرانَ الحقُ الشرعي في معرفة نهاية اللعبة ومقدار ارتباط الامر بنا. وكما صرح الرئيس بوتين فإن نهاية اللعبة يجب ان تتمثل في الاعتراف بحق ايرانَ في امتلاك الطاقة النَووية للاغراض السلمية، بما في ذلك حق تخصيب اليورانيوم ولكن لاغراض تحضير الوَقود النَووي فقط – على ان تقوم ايران باغلاق جميع القضايا الخلافية مع وكالة الطاقة الذرية وان تضع برنامجها النَووي بالكامل تحت رقابة المنظمة – واعتقد بأنه اذا قام اعضاء مجموعة الثلاثةِ زائدا ثلاثةً بتاكيد موقفهم هذا فانه سيكون من السهل علينا وعلى ايرانَ وضع خريطة طريق، وان تكون هناك خُطواتٌ ممنهجة ومتبادلة بين الطرفين، حينما تقوم ايرانُ بتنفيذ التزامٍ ما يجب على المجتمع الدولي تخفيف شيءٍ من العقوبات، وهكذا كلما تقدمنا في هذه الخُطوات المتبادلة فسنصل الى نقطة يقتنع المجتمع الدولي عندها بأن برنامج ايران النوويَ معدٌ للاغراض السلمية بالكامل، وحينها لا بد من رفع العقوبات بالكامل عن ايران ليس فقط تلك العقوباتِ، التي فرضها مجلس الامن، بل والعقوباتِ احاديةِ الجانب ايضا. اما فيما يتعلق بالتصريحات بأن ايران تلعب لعبة اخرى وانها تحاول خداع الاخرين، فأؤكد انني لم احصل على اي معلومات استخبارية سواء كانت روسيةً ام امريكية ام من الموساد او غيرَها تؤكد ان القادة الايرانيين اتخذوا قرارا سياسيا بالحصول على برنامج نَووي للاغراض العسكرية- لغاية الوقت الحاضر لم تتمكن ايُ وكالة استخبارات على الارض من التوصل الى هذا الاستنتاج - ونحن قد تحدثنا الى زملائنا الامريكان للتو، وهم متفقون معنا على ان ايران لم تتخذ اي قرار سياسي بالحصول على برنامج نووي للاغراض العسكرية - ولهذا يتوجب علينا جميعا ان نتجنب التصريحاتِ، التي من شانها التأثيرُ في اطراف المفاوضات وان نعمل على استغلال الفرصة المتاحةَ امامنا.

س - ماذا عن شكوك تل أبيب بشأن طهران - هل يمكن القول إن الموقف الاسرائيلي يمكن ان يؤثر في واشنطن، الامر الذي قد يؤثر في المفاوضات النووية؟

ج - كلا، لا اعتقد ذلك – اعتقد ان الموقفَ الاسرائيليَ مبنيٌ على اعتقادهم بان امتلاكَ ايرانَ للقنبلة النووية يهدد وجودهم ، وهذا غير مقبول لاسرائيل اقول ان هذا الامر مرفوض من الجميع - نحن جميعا لا نريد ان نرى اية قوة نووية عسكرية جديدة على الارض سواء كانت ايرانَ او كوريا الشمالية او اي طرف اخر- ولكي نتاكد من أن الامر ليس كذلك يتعين علينا حل الخلافات عن طريق التفاوض والحوار وليس عن طريق التهديد والوعيد باستخدام القوة - لأن هذا الامر سيحفز الدول الاخرى على التفكير بامتلاك اسلحة نووية للدفاع عن نفسها حينما تشاهد ايران تتعرض لهجوم – وهذا سيضاعف مخاطر انتشار الاسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية - لذا فإن ايَ تهديد باستخدام القوة لحل هذا القضايا سيأتي بنتائجَ عكسية، ولا سيما ان الامر متعلقٌ بتحقيق هدفنا المشترك المتمثل في تعزيز وتقوية نظام حظر انتشار الاسلحة النووية.

س - لنتحدث الان عن نشطاء مجموعة السلام الاخضر، الذين اعتقلتهم السلطات الروسية – روسيا تقول إن خُطواتِها تتماشى مع القانون الدولي في حين تشن الحكومة الهولندية حملةً قانونية في محاولة منها لتحرير هؤلاء الناشطين – هل لكم ان تطلعونا على اخر تطورات هذه القضية؟

ج - الامر لا يتعلق بجماعة السلام الاخضر في هولندا بل يتعلق بالتعامل غير اللائق مع دبلوماسي روسي تم اقتحام شَـقتِه بالقوة، وجرى احتجازه لعدة ساعات بطريقة مخالفة لكل الاعراف الدبلوماسية من دون تقديم اي تفسير - التفسير الوحيد الذي قدموه هو ان شخصا ما قد ابلغ الشرطة بان هذا الدبلوماسيَ وزوجته يسيئان معاملة طفليهما البالغين من العمر سنتين واربع سنوات – وما حصل غير مقبول على الاطلاق لانه بغض النظر عن الامتيازات الدبلوماسية لا يحق للشرطة الدخولُ الى مسكن ايِ دبلوماسي، ونحن نتوقع من اصدقائنا الهولنديين ان يقدموا توضيحا واعتذارا عما حصل وأن يعاقبوا المسؤول عن خرق اتفاقية فيننا حول العلاقات الدبلوماسية. لقد وقع هذا الحادث في لاهاي – حيث مقرُ محكمة العدل الدولية، وهذا امر غير معقول- اما فيما يتعلق بمجموعة السلام الاخضر فنحن نسمع عن انشطة هذه السفينة المسماة / اركتيك سنرايز/ الاستفزازية – وفي بعض البلدان فرضت عليهم عقوبات، وفي حالات اخرى دفعوا غرامات كبيرة – ونحن كنا قد حذرنا اصدقاءَنا الهولنديين بضرورة التفحص والقاء نظرة قريبة على الانشطة غيرِ القانونية لهذه السفينة التي ترفع العلم الهولندي في المياه القطبية، حيث اقتربوا بشكل خطر جدا من مِـنصة النِفط في بحر بيتشورا – الاجراءات القانونية في طريقها - والجانب الهولندي لجأ الى التحكيم، ونحن مع اتباع الخُطوات القانونية حول الموضوع.


س - بالعودة الى حادثة الدبلوماسي الروسي- هل تدرس روسيا كيف سترد على هذا الامر ؟

ج - يجب ان نحصل الان وليس غدا على تفسير من الحكومة الهولندية واعتذارٍ ايضا. وهو امر حتمي وان يوضحوا لنا ما هي الخُطوات التأديبية، التي سيتبعونها بحق ضباط الشرطة المخالفين – حينها فقط وحينما نتعرف على هذا الخُطوات سنقرر كيف ستكون العلاقات مع الجانب الهولندي.

س - الموضوع الاخير الذي اود التحدث حوله معكم هو قضية تهريب المخدِّرات من افغانستان والتي تعتبر مشكلةً كبيرة لروسيا - ما هي خُطط موسكو حين تنسحب قوات الناتو من افغانستان – كيف ستتعاملون مع هذا المشكلة؟

ج - سبق وان قمنا بمناقشة هذا الامر منذ سنوات على خلفية توقع انسحاب القوات الدولية من افغانستان، ولكن مناقشةَ الموضوع لم تتم في موسكو فقط بل مع حلفائنا في منظمة معاهدة الامن الجَماعي، وكذلك مع منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم افغانستان وجميع جيرانها - اما كأعضاء أو كمراقبين- وهناك برنامج خاص في منظمة شنغهاي للتعاون مختص بمكافحة تهريب المخدِّرات من افغانستان ، بالاضافة الى قيام منظمة معاهدة الامن الجماعي بالعمل عن قرب حول هذا الموضوع، وهي تقوم بتنفيذ منظم لعملية تسمى / القناة/ لاستهداف قوافلِ تهريب المخدِّرات على الحدود الافغانية – وبالتاكيد سيكون من الافضل مكافحة مسببات المرض وليس اعراضِه، وهذا يتضمن القضاء على عمليات انتاج المخدِّرات داخل افغانستانَ ومختبرات المخدارت- مختبرات الهيروين على وجه الخصوص- ونحن في منظمة معاهدة الامن الجماعي كنا قد اقترحنا على الناتو- العمودِ الفِـقْري للقوات الدولية / إيساف/ القيام بترتيبات تعاون في الوقت المناسب اذا يقوم الناتو باخبارنا عن نوع القافلة التي تهرب المخدرات لكي يسهل التصدي لها خارج الحدود الافغانية – ولكن الناتو وخلال السنوات الثماني الماضية سعى لتجنب مثل هذا التعاون. وباعتقادي انهم يقومون بهذا الامر لاسباب ايديولوجية لانهم غيرُ راغبين بان تكون منظمة معاهدة الامن الجماعي نظيرةً لهم في هذه الشراكة- وهذا امر مؤسف حقا - لاننا نخسر حربنا ضد مكافحة المخدِّرات بسبب مفاهيمَ خاطئة.

س - هل تشعر بالتفاؤل حول مستقبل أفغانستانَ، ولا سيما أن هناك انتخاباتٍ رئاسيةً مزمعة في العام المقبل، وانسحابا لقوات الناتو من البلد؟ هل تعتقدون أن الوضع الأمني في البلاد سيتحسن؟

ج - يُحْدِقُ بأفغانستانَ الكثير من المجهول، حيث إن انسحابَ قوات إيساف من هناك جرى تفسيره وَفق توقعات بأنه مع نهاية العام المقبل ستصبح قوات حفظ الأمن الأفغانية والجيش، ستصبح قادرةً على الإمساك بزِمام القانون والنظام في البلاد، ولكن التوجهَ الذي نشهده الآن هو معاكس لذلك، وكلما اقترب موعد انسحاب الأجانب، ازدادت الأدلة على أن قواتِ الأمن الأفغانيةَ لن تكون جاهزة في ذلك الموعد، وتوجد مشكلات جِديةٌ في قطاع الأمن، ومشكلات مع انصار طالبان الذين لا يريدون الانضمام إلى حوار وطني مع الحكومة، ويريدون فقط أن يتحدثوا مع الأمريكيين، وهو أمر ترفضه كابل لأسباب واضحة. ويجري اللعب مع طالبان في تجاوزٍ للحكومة المركزية، وإننا نقترب من وضع لن يكون فيه لدى طالبان أي اهتمام بالحديث مع حكومة الوحدة الوطنية، بل فقط بالاستحواذ على السلطة مئةً في المئة، الأمر الذي سيصبح دعوة إلى حرب أخرى في أفغانستان، ولذلك نأمل بالطبع بأن كلَ الأطراف الأفغانية، السياسية منها والعرقية والدينية، من البشتون والأوزبيك والطاجيك والخزر، نأمل أن يجتمعوا، إضافة إلى القادة العقلانيين في طالبان، ويبدؤوا ببحث مستقبل بلدهم، فالوقت لذلك قد حان، والانتخابات الرئاسية هي بالطبع نقطة تاريخية يجب أخذها بعين الاعتبار، ويعود للأفغان أن يقرروا بالضبط متى يريدون إجراء الانتخابات، ولكن في حال غياب عملية شاملة، فإنني لن أكون متفائلا بأي حل سياسي للوضع في البلد. وبالطبع هناك شأن ذو صلة، ففي حين تنسحب قوات إيساف من أفغانستان، فإن الولايات المتحدة وبلدان أخرى من الناتو تخطط لإبقاء تواجدها هناك، والمعلومات تفيد بأنه يجري بناء تسعِ قواعدَ عسكريةٍ محصنة داخل البلد، وسألنا عن دواعي إبقاء التواجد، وأجابونا بأنه من أجل التدريب ولإجراء عمليات سريعة حين تقتضي الضرورة، ويبقى الأمر غيرَ شفاف، ونبحث ذلك مع زملائنا الأمريكيين بانتظام، ولدينا قناة اتصال خاصة لبحث الشؤون الأفغانية ونريد أن نحصل على صورة واضحة تماما لهدف هذا التواجد، لأن محاولات الولايات المتحدة مع عدد من بلدان آسيا الوسطى لبسط تواجدها في المنطقة تثير أسئلة حول السبب في ذلك، لأن انسحاب إيساف يفسَّر بأن المُهمة تمت، وبداية لا أعتقد أن أحدا يؤمن بأن المُهمة استُكملت، ومن ناحية ثانية، في حال إتمامها، فلماذا يريدون إبقاءَ تواجدهم هناك، وإذا كان هناك تخطيط للتواجد خارج أفغانستان، فإننا بالطبع نريد معرفة سبب ذلك التواجد، فهل السبب هو آسيا الوسطى أو إيران. إن اعضاء منظمتي معاهدة الدفاع المشترك وشنغهاي للتعاون يرغبون بمعرفة كل شيء من دون استثناء، لأن المنطقة على أبوابنا، وروسيا والصين وبلدن آسيا الوسطى وإيران تعتقد بأن التعاون مع المجتمع الدولي لحل مشكلات المنطقة هو من الأهمية بمكان، وإننا منفتحون على ذلك، ولكن المجتمع الدولي، وفي حالتنا هذه شركاءنا الغربيين، يجب أن يُظهروا الشفافية حول ما يريدون القيام به في المنطقة، فقد جاؤوا إلى هناك، ونريد معرفة خططهم.