ثلاثة سيناريوات "إسرائيلية" في مواجهة "الصفقة الإيرانية"
رفع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، سقوفاً عالية، مصحوبة بشروط شبه تعجيزية وتهديد بالخيار العسكري، في محاولة منه لفرض الحضور الإسرائيلي في حسابات المفاوضين، وخصوصاً في حال الإنتقال إلى المفاوضات بشكل جدّي.
مع ذلك، فإن تل أبيب ستجد نفسها أمام مسار مفتوح، مهما كانت نتيجة مسار الصفقة الممكن أن تتبلور بين إيران والغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة. ويمكن رصد ثلاثة سيناريوات:
الأول، أن تنطلق المفاوضات، وأن تصل إلى صيغة اتفاق يلبي السقف والشروط الإسرائيلية؛ الثاني، أن تفشل المفاوضات من دون التوّصل إلى اتفاق بين الطرفين. والسيناريو الثالث، أن يتم التوصل الى صيغة اتفاق أميركي إيراني، لا يعتني بالسقف والشروط الإسرائيلية ولا يؤدي الى تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، بمعنى سلب طهران امتلاك أي قدرة نووية، حتى ولو كانت قدرة نووية سلمية.
في ما يتعلق بالسيناريو الأول، أي تلبية الشروط الإسرائيلية، ورغم أنه يلبي طموحات وآمال إسرائيل، ومن شأنه أيضاً أن يغيّر في المعادلات الإقليمية من منظور استراتيجي، إلا أنه مستبعد تماماً. وتدرك تل أبيب هذه الحقيقة جيداً، وخاصة أن من غير الوارد دخول الإيرانيين في مفاوضات ضمن هذا السقف، وهذا السيناريو طواه المفاوضون قبل أن يبدأوا عملية التفاوض.
يبقى على تل أبيب أن تتعامل مع إمكانات السيناريوين المتبقيين، أي عدم الوصول إلى اتفاق، أو اتفاق لا يراعي الشروط الإسرائيلية. ويراهن الإسرائيلي، ويعمل، على تحقق الأول منهما، كونه ينهي مسار أي تسوية من شأنها أن تكيّف العالم الغربي مع واقع تحوّل إيران الى دولة نووية، أو بعبارة أدقّ، دولة حافة نووية.
وإذا فشل الحلّ الدبلوماسي، فسيدفع الإسرائيلي الأميركيين نحو خيارات أكثر حزماً وتشدداً، الأمر الذي يهيئ الأرضية لفرض المزيد من العقوبات الإقتصادية، أو الإرتقاء بالمقاربة الغربية نحو التلويح بخيار عسكري ذي صدقية، كما يطالب نتنياهو دائماً، وصولاً إلى استخدام الخيار العسكري فعلياً.
لكن في ما يتعلق باحتمالاته، فهو سيناريو يملك الكثير من العناصر، التي تجعله قابلاً للتحقق، ويجعل من الصعب، الآن، ترجيحه أو استبعاده، لارتباطه أساساً بمدى قدرة الجانب الأميركي على الموافقة على السقف الذي ترفعه إيران رسمياً، بامتلاك حقّ التخصيب على الأراضي الإيرانية وبنفسها، مع تقديم الضمانات التي تسمح بالمراقبة التي تطمئن الطرف الثاني في المفاوضات، أي الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، يرتبط هذا الخيار أيضاً بمدى قدرة الإيراني على المرونة تجاه المطالب الأميركية، إذ ليس كلّ تسوية تحفظ حق الإيرانيين في التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، مع شروط لاحقة تعجيزية، بإمكان القيادة الإيرانية الجديدة أن تسوّقها في الداخل الإيراني.
معنى ذلك، أن سيناريو فشل المفاوضات إمكانية موجودة لا يمكن استبعادها، رغم كل المؤشرات الدالة على النقيض، وكذلك تبيّن جدّية توجّه الطرفين نحو تحقيق اتفاق. وإذا تحقق هذا السيناريو، فان الأمور ستفتح على احتمالات كارثية، إذا ما انتقل الأميركي الى مرحلة عسكرية فعلية، كما تطالب تل أبيب. لكن العامل الكابح لهذا السيناريو هو أن واشنطن نفسها تدرك حجم تداعيات أي مواجهة بهذا الحجم على المستوى الاقتصادي العالمي والسياسي الإقليمي والأمن الإقليمي والعالمي.
وفي حال اتجاه الأمور نحو التوّصل الى اتفاق ما يلبّي السقف الإيراني، ويطمئن الأميركي والدولي لجهة عدم تجاوز طهران كونها دولة عتبة نووية نحو تطوير سلاح نووي، فسيكون اتفاقاً جيداً لكل من سيجلس على طاولة المفاوضات، وسيئاً وسيئاً جداً من ناحية إسرائيل. ذلك أن طهران ستحصل مقابل هذا الاتفاق على رفع العقوبات، وعلى شهادة دولية بسلمية برنامجها النووي. وفي ما يتعلق باحتمالات تحقق هذا السيناريو، فهو شبيه بالسيناريو الذي سبقه، أي أن إمكانات تحققّه تكاد تكون معادلة لإمكانات فشله، رغم وجود مؤشرات دالة من ناحية فعلية، على إمكان توّصل المفاوضين إلى صيغة ما، تحقق جزءاً كبيراً من مطالبهم وشروطهم، لكن دون مستوى السقوف والشروط الإسرائيلية.
مع ذلك، فإن إمكان أن تتوصل المفاوضات الى تسوية ما مع إيران سيعني من ناحية إسرائيل تكريس إيران كونها دولة نووية قادرة مستقبلاً، وفي ظل تبدل الظروف الموجودة حالياً وتغييرها، أن تتجاوز العتبة التي وصلت إليها والمتفق عليها، باتجاه السلاح النووي، حتى لو لم يكن إنتاج هذا السلاح ضمن الاستراتيجية الإيرانية، لكنها ستكون قادرة، وهو ما له مفاعيله الاستراتيجية أيضاً.
هنا يبرز السؤال الأساسي: في ظل اتفاق كهذا، هل تلجأ إسرائيل الى الخيار العسكري الذي لوّح به نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وهو سؤال يتشعب الى سؤالين فرعيين لا يقلّان أهمية: خيار عسكري إسرائيلي قبل الوصول الى اتفاق لا يرضي تل أبيب ولا يحقق شروطها، وخيار عسكري بعد الوصول الى اتفاق كهذا.
المؤكد أن الإسرائيلي لن يبادر في مرحلة الرهان الغربي على المفاوضات والمسار الدبلوماسي، بل أيضاً خلال إجرائها، الى أي خيار عسكري عملاني مباشر يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، ذلك أن عملاً كهذا سيكون موجّهاً للولايات المتحدة والغرب عموماً، قبل أن يكون موجّهاً لطهران وبرنامجها النووي. وفي الأساس، الخيار العسكري الإسرائيلي، من ناحية فعلية، لم يعد خياراً لذاته وبمقدوره التأثير بشكل فاعل على القدرة النووية الإيرانية، أي أن هذا الخيار يمكن تفعيله لجرّ الآخرين، أي أميركا والغرب، إلى التورط في حرب على إيران، وهو ما لا يمكن أن يحقق نتائجه، أو اللجوء إليه، إلا بعد فشل المفاوضات، وعلى تقدير أن هذا الخيار سيكون وارداً أيضاً، بعد فشلها.
الأخبار اللبنانية