افتتاحية قاسيون 895: الشمال الشرقي والسيناريو الوحيد!
أثبتت الأسابيع القليلة التي أعقبت الإعلان الأمريكي عن الانسحاب من سورية، صحة ما ذهبنا إليه ولخصناه في نقطتين أساسيتين:
- الانسحاب سيجري عاجلاً أم آجلاً كنتيجة للانقسام ضمن الإدارة الأمريكية، الناجم بدوره عن التقهقر والتراجع المستمر لواشنطن على مختلف الساحات الدولية، وهذا الأخير بوصفه نتيجة للأزمة الرأسمالية العميقة والشاملة.
- إنّ شكل الانسحاب وتوقيته يهدف إلى ضرب قوى ثلاثي أستانا ببعضها بعضاً، وإلى الإيقاع بين مكونات وقوى المنطقة بحيث تتم تغطية الانسحاب الأمريكي الاضطراري بفتنة جديدة وحرب جديدة تؤدي الدور نفسه الذي يؤديه الوجود الأمريكي.
وبعد قرار الانسحاب، والحديث عن عملية تركية محتملة على شرق الفرات، برزت إلى السطح احتمالات متعددة لوضع الشمال الشرقي بعد الانسحاب الأمريكي؛ فهنالك من يقول بأنّ وضعاً شبيهاً بكردستان العراق سيجري تطبيقه على الشمال السوري ضمن صفقة يدخل بها النظام السوري مع أنظمة عربية في سياق التطبيق معها، ومن خلفهما الأمريكي. احتمال آخر يقول بدخول تركي غير مباشر إلى المنطقة عبر عشائر عربية وعبر فصائل مسلحة يجري بموجبه القضاء على قسد، وثالث: يتحدث عن منطقة فاصلة تتواجد بها قوات بيشمركة، مع استلام عشائر عربية مدعومة من تركيا لبعض المناطق وخاصة في الرقة، وتجميد بقية الأماكن على وضعها، بانتظار الحل الشامل...
ويمكن لنا أن نضع إلى جانب هذه السيناريوهات، عدة سيناريوهات أخرى يجري طرحها، وهي بمجملها سيناريوهات خلبية وفرصتها من التطبيق على الأرض هي صفر فقط لا غير، وذلك لسببين أساسين:
أولاً: إنّ أي سيناريو لا يستجيب للقاسم المشترك الأكبر بين ثلاثي أستانا في المسألة السورية، وهو وحدة وسيادة سورية، لن يكون له أي نصيب من النجاح: وبكلمة واحدة إنّ أي سيناريو أمريكي لن تكون له أية فرصة من النجاح.
ثانياً: إذا كانت ظروف الأزمة الأمريكية، وظروف الخسارة البينة لها في سورية، هي الدافع وراء إعلان الانسحاب، فإنّ استكمال الخسارة هو فقط ما سيدفع نحو تنفيذ الانسحاب حقاً وفعلاً، ولتحقيق غاية طرد الأمريكي هنالك وسائل عديدة، على رأسها تعميق التفاهم بين ثلاثي أستانا، وتكريس التفاهم بين المكونات السياسية والقومية للشعب السوري، دون أن ننسى وجود وسائل أخرى، كتلك التي دفعت الأمريكيين إلى الركض هرباً من بيروت 83...
إنّ السيناريو الوحيد القابل للتطبيق، والذي سيطبق ضمن آجال غير بعيدة يتكون من عنصرين:
أولاً: الجيش السوري هو الجهة الوحيدة المخولة استرجاع الأراضي التي احتلها الأمريكي، وبما يحفظ كرامات الناس في المنطقة.
ثانياً: إدماج المكونات السياسية السورية الموجودة شرق الفرات، والكردية منها خاصة، في العملية السياسية بتفاصيلها المختلفة، إدماجاً حقيقياً يمهّد لحل الجزء من القضية الكردية المتعلق بسورية حلاً عادلاً يرتضيه الكرد السوريون ويرتضيه الشعب السوري عامة.
إنّ وقائع التراجع الأمريكي في كل العالم باتت تفقأ عيون من يشيح بنظره عنها، وسيظهر ذلك في إدلب التي انكشف فيها صراحة وجه النصرة تجاه (حلفائها السابقين)، وفي وقت قريب جداً... والشمال الشرقي السوري، هو الآخر، لن يتأخر عن إدلب كثيراً...