افتتاحية قاسيون 871: سيعودون والعَودُ أحمدُ
كانت وما زالت مشكلة عمليات النزوح واللجوء التي جرت في البلاد أحد الجوانب الأكثر مأساوية في الأزمة السورية، وباتت هذه المشكلة التي طالت الملايين من السوريين، كغيرها مجالاً لقوى دولية وإقليمية وحتى محلية للعبث بالشأن السوري.
وكما كثير من الملفات التي ساعدت في حلولها الجذرية دولة روسيا الاتحادية ساهمت هذه المرة في فتح ملف اللاجئين والبدء بحله وتقديم الحلول الإبداعية الرامية إلى تسريع الحل السياسي في سورية، وتوفير مقدماته من خلال أعمال ملموسة.
لتؤكد بذلك ومن جديد توافق رؤاها مع رؤى الشعب السوري من خلال خطوة أخرى باتجاه تطبيع الأوضاع في البلاد، بعد الضربات القاصمة التي وجهتها لقوى الإرهاب، وبعد سلسلة الهدن والمصالحات التي رعتها وأثبتت نجاعتها.
إن أهمية هذه المبادرة تأتي من عدة جوانب:
تخديم المسار العام للحل السياسي في البلاد، فعودة السكان إلى مناطقهم بالتوازي مع تراجع العمل المسلح تعتبر أحد أهم المؤشرات الملموسة، للسير باتجاه الحل، وفي هذا السياق أيضاً، تعتبر مؤشراً على أهمية ودور تجربة مناطق خفض التصعيد، ومسار أستانا.
إخراج هذه الكتلة السكانية الضخمة من دائرة الابتزاز والمساومة والمتاجرة التي طالما لجأت إليها أطراف عديدة.
تعتبر رداً ملموساً على ما سمي بـ« التغيير الديموغرافي» والحملة الدعائية الواسعة التي انخرطت فيها قوى كثيرة، ومحاولة لإعادة الأمور إلى نصابها.
إن طرح هذه المبادرة بالتزامن مع الجهود الدولية الرامية إلى تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري، يكسبها دلالات ومعانيَ عميقة، تتعلق بحق السوريين المشروع للمساهمة في هذه العملية، فمن غير الجائز تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد دون مساهمة ملايين السوريين، وما يلي ذلك من عمليات انتخابية يمكنها تخفيف خطر تأثير الخارج فيها مع عودة غالبية اللاجئين.
ومما لاشك فيه، أن أحد أهم شروط نجاح هذه المبادرة، يكمن في تأمين البنى التحتية الضرورية، والسكن اللائق، وتوفير الحد الممكن للعيش الكريم، حتى تكون هذه المناطق نموذجاً ناجحاً وجاذباً، وقاطرة لعودة كل اللاجئين لاحقاً.
حيث من الضروري أن تجري هذه العملية بشكل طوعي، وتأمين سلامة العائدين، وضمان حقوقهم كاملة غير منقوصة.
تكتسب هذه المسألة أهمية وطنية كبرى، ليس بالمعنى السياسي العام فحسب، بل بمعنى عودة الأيدي العاملة السورية الخبيرة والماهرة، وعودة الكفاءات العلمية والأكاديمية، والأجيال الشابة في محاولة لتصحيح الخلل القاتل كماً ونوعاً في البناء الديموغرافي السوري الذي حصل خلال سنوات الأزمة العجاف، لا سيما وأن البلاد أمام تحدٍ كبير، أي: عملية إعادة الإعمار.
وعلى أهمية هذه الخطوة النوعية التي بادر إليها الحليف الروسي، إلى جانب سلسلة مبادراته الأخرى، والجهود السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي بذلها، ومحاولته دفع الدول الأخرى إلى المشاركة في عملية إعادة الاعمار، بالتزامن مع عودة اللاجئين، على أهمية كل ذلك، فإن الحل الناجز للأزمة السورية، كان وما زال وسيبقى من خلال تنفيذ كل مفردات القرار الدولي 2254 (الذي يتضمن العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وللنازحين داخلياً، لمناطق سكنهم الأصلية)، والذي يعتبر خريطة الطريق الوحيدة للخروج من الأزمة.