افتتاحية قاسيون 827: حاصر حصارك...
يعتبر إعلان كسر الحصار المفروض على دير الزور، تدشيناً لمرحلة جديدة في تاريخ الأزمة السورية، كما تشير أغلب التحليلات والقراءات المواكبة للحدث، فهو من جهة استمرار لسلسلة الانكسارات الميدانية التي لحقت بتنظيم داعش الإرهابي، وهو بالإضافة إلى ذلك، يستكمل توفير الأجواء المناسبة لتقدم جديد على مسار العملية السياسية، ودفعها إلى مرحلة التفاوض المباشر بين النظام والمعارضة، خصوصاً وأن العملية تجري بالتوازي مع توسيع رقعة مناطق خفض التوتر.
إن كسر هذا الحصار، يجب أن يكون بداية حصار من نوع آخر، وفي اتجاه آخر، بداية حصار كل قوى التشدد التي تحاول الاستمرار في خلق الذرائع وإيجاد المبررات، كي يراوح قطار التفاوض في مكانه، ومنع تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.
إن الدعاية السياسية، التي تستخدمها القوى المتشددة في منصة الرياض لتبرير الشروط المسبقة، دعاية «الوفاء لدماء الشهداء وحقوق الأرامل والثكالى...» والتلطي خلف ما يسمى «أهداف الثورة» لم ينتج عنها خلال سنوات الأزمة سوى المزيد من الدم، والمزيد من الدمار والخراب والتشرد والنزوح، وبات واضحاً، وبالملموس، أنها لا تخدم مصالح سورية والسوريين، وهي حجة مردود عليها بالملموس، بل هي مجرد بروباغندا للتغطية على فشل مشروعها السياسي، ووصوله إلى طريقٍ مسدود، وتعبير عن تخبط وعجز مزمن، بدأ مع تشكلها، وافتضح أمره بعد تغير المواقف الإقليمية والدولية.
كما أن استمرار النظام في تجاهل ضرورات التغيير، استناداً إلى التقدم الميداني وحده، والتشكيك المستمر بالمعارضة، يضع مهمة استمرار الحرب على الإرهاب والقضاء عليه، أمام تحدٍ خطيرٍ، أقله، تأخير توحيد بنادق السوريين ضده، وينزع مناطق خفض التوتر من سياقها الطبيعي، باعتبارها مقدمة لحل سياسي شامل، وجزءاً من عملية متكاملة.
القرار الدولي 2254، قرار توافقي بطبيعته، وبالتالي، فإن وضع أي شرط مسبق على عملية التفاوض، ومن أي طرف كان، يتناقض مع روح القرار، فلا هو أداة التمسك بالسلطة، ولا هو أداة تسليم واستلام لها، وفي الوقت نفسه، فإن التوافق لا يلغي حق أي طرف في طرح ما يراه مناسباً على طاولة التفاوض، وبالتالي، فإن الامتثال للقرار كما هو - ودون تفسيرات واجتهادات- لا يلغي الصراع، ولا يعني بأية حال من الأحوال إعلان هزيمة طرف، وانتصار طرف آخر، بل هو كسر دائرة الأزمة المغلقة، واستبدال الصراع العسكري بين السوريين إلى صراع سياسي، أي: ما ينص عليه القرار نفسه، وجوهره، ومبرر وجوده، وهو تقرير السوريين - كل السوريين- لمصيرهم، ومصير بلادهم.
إن جملة التطورات الميدانية والسياسية: الدولية والإقليمية والداخلية، وتسارعها وتقدمها، في ظل التصاعد المضطرد لدور قوى السلم في العالم، لا يوفر للسوريين فرصة حل أزمتهم فحسب، بل يضع إمكانية جعلها نموذجاً لفض النزاعات، وحل بؤر التوتر، و«محاصرة الأزمة» وحلها من حيث المقدمات التي أنتجتها، وما تمخضت عنها السنوات الست العجاف الأخيرة، ودخول سورية إلى فضاء سياسي جديد عنوانه الأساسي: سيادة الشعب السوري.