افتتاحية قاسيون 616: «تسجيل النقاط» بالدم السوري!!
يستمر الموت متنقلاً بين السوريين بتعنت أكبر واستباحة أوسع، من خلال موجات العنف والمذابح الجارية، من ريف حلب، إلى المنطقة الشرقية، إلى ريف اللاذقية، إلى ريف دمشق والغوطة المنكوبة، وهي جرائم تسعى من حيث شكلها وطرق تنفيذها إلى حدين، الأدنى منهما محاولة إحداث انعطاف ارتدادي في الموجة الشعبية العامة الراغبة بإطراد في إنهاء الأزمة والوصول إلى حل، والأعلى هو خلق شروخ طائفية وقومية عميقة تكرس الصراع القائم بأكثر أشكاله تدميراً واستنزافاً.
إلا أنه بالتزامن مع هذه الجرائم داخلياً تتدحرج خارجياً كرة الحل السياسي بسرعة أكبر فأكبر، من اللقاء بين وزراء الخارجية والدفاع الروس والأمريكيين، والذي يوحي برسم الخرائط الأولية لـ«يالطا 2»، إلى تحديد موعد قريب للقاء لاهاي بين نائبي وزيري الخارجية لإنهاء تجهيزات «جنيف 2»، وليس انتهاءً بالتصريحات الأخيرة لبان كي مون التي أشار فيها إلى أن تسوية كل القضايا الفنية واللوجستية لعقد مؤتمر «جنيف 2» الدولي حول سورية قد أنجزت، ولم يبق سوى استعداد السلطات السورية والمعارضة للمشاركة فيه.
فإذا كانت «واشنطن» خلال ما مضى من عمر الأزمة السورية غير راغبة بأية حلول سياسية ومصرةً منذ البداية ولاتزال بوسائل تدخلها غير المباشر على «إحراق سورية من الداخل»، إلا أنها اليوم أمام حقيقة مفادها: «في كل يوم جديد ستكون أمريكا أضعف من الذي سبقه» ولذا فإن ما يمكن أن تحصله بحل سياسيٍ ضمن توازن القوى الحالي سيكون أكبر بكثير مما يمكن لها تحصيله– وربما عدم تحصيله- لاحقاً..
ولا يلغي حقيقة الاضطرار الأمريكي هذه «نعي» ائتلاف الدوحة لجنيف، بل يعززه، بهدف رفع سقف «التفاوض» وتحسين شروطه، مترافقاً مع محاولات التكفيريين والمتشددين من المسلحين التخلص من عبء المدنيين في مختلف «المناطق الساخنة» وقتلهم واستخدام جثامينهم مادة إعلامية لرشق الاتهامات في وجه «النظام» كسباً للنقاط، في وقت بات فيه أبناء تلك المناطق يشكلون تياراً رافضاً للمسلحين ولاستمرار العنف والموت المعيشي في ظل إغلاق مناطقهم واعتماد التكفيريين لسياسة «الخيار والفقوس» في توزيع المواد الغذائية بما فيها المنهوبة منها «على جماعتهم». ولا أدل على تنامي هذا المزاج سوى التظاهرات المتكررة ضد التكفيريين، دون أن يعني ذلك وقوف هؤلاء السوريين إلى صف النظام ووسائل إعلامه، التي تظهر عجزها عن التقاط ذاك الفرز الجديد، حيث يستمر متشددو «الموالاة» في الاستعداء الجمعي والتعامل مع أهالي تلك المناطق بوصفهم «إرهابيين» أو حواضن للإرهابيين..
وإذ يتمسك متشددو النظام بالحديث الممجوج عن أهمية «المضي في الحسم» مقابل «عدم أهمية جنيف»، وعن ضعف احتمالات انعقاده.. إلخ، فإن الوقائع توضح باستمرار أن لموقفهم هذا أحد تفسيرين أو كليهما معاً: قصور معرفي لا يسمح لهم برؤية ما بات واضحاً، ورغبة ذاتية تبحث عما يجسد إبعاد الحل ويجعل ذاك الإبعاد واقعاً. فهؤلاء يعلمون تماماً أن حلاً سياسياً سيفقدهم قدرتهم على النهب والفساد والتسلط التي لن تكون كما هي عليه الآن في إطار حل سياسي، ودائماً وسط متاجرة استفزازية بتضحيات الجيش العربي السوري وشهدائه..
وفي مقابل الأطراف المتشددة جميعها، يتعزز بخطا متواترة تيار وطني واسع رافض لمقولات «الحسم» و«الإسقاط» ومتمسك بتحالف السوريين موالاة ومعارضة، جيشاً ومسلحين، في وجه المسلحين الأجانب والتكفيريين، وفي وجه الفاسدين الكبار في الدولة وفي المجتمع وفي وجه المخططات الأمريكية والصهيونية..