افتتاحية قاسيون 743: جنيف3» ساحة لفرز أعمق
على الرغم من انطلاق أعمال مؤتمر «جنيف3»، بعد انتظار طويل محمّل بمآسي السوريين ودمائهم وآلامهم، لا تكف أطراف متشددة عديدة، سورية ودولية، عبر شخوصها ومنابرها الإعلامية، عن محاولاتها إشاعة اليأس بين السوريين، موحية ومصرحة، بأنّ المؤتمر سيفشل، مستفيدة في ذلك من التذكير المستمر بفشل «جنيف2» ومحاولة المطابقة أو المشابهة بين الحدثين، مقللة من شأن الظرف الدولي الجديد الذي يكمن في خلفية انعقاد المؤتمر الحالي، وحيثياته، ومآلاته بالتالي.
إنّ مختلف المشكلات التي وقفت في وجه نجاح «جنيف2» جرى حلحلتها من حيث المبدأ، وإن بقيت هنالك بعض التفاصيل التي ستجد حلها خلال سير العملية، ولكن ما ينبغي إبرازه في هذا الشأن هو جملة القضايا الأساسية التالية:
• مع انعقاد «جنيف3»، بالظروف التي ينعقد ضمنها، تحوّل إطلاق الحل السياسي إلى واقع ملموس لن يجري التراجع عنه كما في مراحل سابقة، ومن بين أهم ضمانات ذلك وجود المعارضة الوطنية التي تقتضي منها مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية أن تسير بالمفاوضات حتى نهاياتها.
• إنّ الصراع الذي اشتعل مع تحضيرات المؤتمر، والمستمر حتى اللحظة، والذي سيشتد في القادم من الأيام والجلسات، هو على ما سينتج عن هذا المؤتمر/ المفاوضات، وما يسعى كل طرف من الأطراف لتحصيله من خلالها. والحق أنّ الهام ليس ما يريد كل طرف تحصيله، بل ما يمكن له تحصيله موضوعياً، وفقاً لقواه وتمثيله وبرنامجه، والأهم هو ما الذي ينبغي تحقيقه؟ هل المسألة هي توازع للسلطة، أم إخراج سورية من أزمتها؟
• إنّ من أهم عوامل فشل «جنيف2»، هو إعطاء «وكالة حصرية» بتمثيل المعارضة والشعب السوري لطرف بعينه من أطراف المعارضة المنشأة والمدعومة خارجياً، وتغييب أطراف المعارضة الأخرى وكذلك أطراف إقليمية منخرطة بالأزمة السورية. وهناك كان تغييب المعارضات الأخرى هو تغييب قسري متعمد للأطراف القادرة على، والقابلة للوصول إلى تسويات تحقن دماء الشعب السوري وتحدث التغيير الوطني السوري العميق المطلوب على المستويات كافة. وبالتالي حضر وفدا جنيف2 وفي جعبتيهما «مشاريع انتصار» كل منهما على الآخر، بسقوف غير قابلة للتحقيق، وهذا ما جرى خرقه في «جنيف3» بوجود المعارضة الوطنية التي لا تضع أمامها برنامج إعادة توليد الأزمة وتعميقها، بل هدف/ برنامج إخراج البلاد وشعبها من الأزمة والكارثة الإنسانية، وليس انتصار «طرف سوري» على «آخر سوري».
• بهذا المضمون، فإنّ حضور المعارضة الوطنية يعني، في أحد جوانبه، حضور البرنامج المضاد، المتكامل سياسياً واقتصادياً-اجتماعياً وديمقراطياً، بوصفه برنامج الحل الحقيقي والخروج الحقيقي والناجز من الأزمة عبر التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وهذا يعني أنّ برنامج الحل، برنامج الخروج الحقيقي من الأزمة، قد غدا اليوم حاضراً للنقاش على طاولة جنيف، وليس مغيباً عن عمد.
إنّ افتتاح طاولات جنيف3 يعني بداية لمرحلة جديدة وعميقة من الفرز الحقيقي للقوى السياسية والاجتماعية السورية بين برنامجين: برنامج الحل الحقيقي الذي يعاكس في مضمونه وبنوده العوامل التي أدخلت سورية في أزمتها، وعلى رأسها النمط الاقتصادي الليبرالي المرتبط بالغرب من موقع التبعية، وما رافقه من مستوى الحريات السياسية المنخفض الذي منع الناس من الاحتجاج على نهب بلادهم وسرقة تعبهم. البرنامج الآخر هو برنامج الأزمة وإعادة توليدها وصولاً إلى تدمير سورية أرضاً وشعباً.
إنّ بوابة الأمل التي انفتحت بجنيف3، ستتسع باطراد، وستبدأ مفاعيلها بالظهور على الأرض السورية، وعلى المستويات كافة، وبشكل تدريجي ولكن متسارع. وهو ما يحتاج من المنهوبين في سورية الذين يشكلون 90% من السوريين، أن يتحضروا ويبدؤوا بالتفاعل مع الحل السياسي وملفاته ومفرداته، في صراع من نوع آخر يدافعون فيه عن وجودهم ومصالحهم وتعبهم.