إفتتاحية قاسيون 723: حل لأزمة اللاجئين أم اتجار بمستقبل بلدهم؟!

إفتتاحية قاسيون 723: حل لأزمة اللاجئين أم اتجار بمستقبل بلدهم؟!

مما لا شك فيه أنّ لأزمة اللاجئين السوريين جانبها الإنساني، لما عانته وتعانيه الغالبية العظمى من ملايين اللاجئين السوريين، من مخاطر وشتى صنوف العذاب والإذلال، وصولاً إلى مئات، وربما آلاف، حالات الموت غرقاً وبرداً وجوعاً.

رغم ذلك فإنّ «الصحوة» الدولية المفاجئة، الأوروبية بشكل خاص، تجاه «قضية اللاجئين السوريين» تجعل من الضروري الوقوف على الأبعاد غير المعلنة لهذه الصحوة.

يمكن تسجيل عدد من المؤشرات والأفكار الأساسية في مسألة اللجوء السوري وتلخيصها بما يلي:

أولاً: الحكومات الغربية «المتحضرة» لم ترفع شعاراً إنسانياً واحداً خلال القرن العشرين إلا ووظفته لمصالحها السياسية والاقتصادية الضيقة، وضد من يعنيهم الشعار، قبل غيرهم.

ثانياً: الدول التي تستقبل اللاجئين «تقبض» عليهم أموالاً من المنظمات الدولية المعنية، وعلاوة على ذلك فإن الحسابات الاقتصادية لتكلفة اللجوء السوري، بمقابل إسهام اللاجئين في عمليات الإنتاج في البلدان التي لجؤوا إليها تميل لمصلحة الإنتاج وبفارق كبير، (236 مليار دولار إنتاج اللاجئين السوريين في كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا خلال أربع سنوات مقابل 9.1 مليار مساعدات). وتؤكد هذه الأرقام أن طريقة التعامل الرسمي والإعلامي الغربي مع قضية اللجوء السوري، تعتمد على محاولة تظهير جانبها الإنساني، وإبرازه إلى الواجهة، لسبب وحيد هو إسقاط جانبها السياسي، باعتبارها نتاجاً للأزمة السورية بحد ذاتها، ولإخفاء المصالح السياسية التي ترومها تلك الدول لقاء المتاجرة بهذه القضية.

ثالثاً: إنّ دفع مسألة اللجوء إلى واجهة الأحداث لا يتعلق بحادثة مأساوية هنا أو هناك، فهذه المآسي تحدث يومياً ومنذ أربع سنوات، بل يتعلق بتغير أساسي يبدأ من تحول الموقف الأوروبي تجاه الأزمة السورية، التحول الذي يتلخص مضمونه بتشكل قناعة نهائية لدى الحكومات الأوروبية حول طبيعة ميزان القوى الدولي الجديد، وما ينتجه موضوعياً باتجاه غذ السير نحو الحل السياسي للأزمة السورية، وتالياً محاولة التكيف مع الوقائع الجديدة.

رابعاً: هذا التكيف في الموقف الأوروبي، وقبله التكيف البراغماتي الأمريكي، جرى إسقاطه على أرض الواقع في تركيا، التي يوجد فيها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في دول الجوار، بأن بدأت أنقرة بالتخلص تدريجياً من عبء «ورقة اللاجئين»، التي احتفظت بها خلال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، بغية تحقيق أهداف معينة، من شاكلة توظيف تلك الورقة في إقامة «المنطقة الآمنة» أو «العازلة» التي كانت تبتغيها داخل الحدود السورية، بوصفها منطقة نفوذ حيوي لها. 

خامساً: إنّ ما تعول عليه بعض الحكومات الأوروبية من «فتح أبوابها» للاجئين السوريين، هو ثلاثة أمور أساسية: أ- امتلاك ورقة سياسية مؤثرة على طاولة الحل السياسي المقبل، ورسمه لمستقبل سورية، وخاصة أنه ليس لدى الحكومات الأوروبية، وتحديداً ألمانيا، أية أوراق جدية في الشأن السوري سوى هذه الورقة. ب- تأمين عامل توتير وصدام متحكم به في الداخل الأوروبي بين قوى متعصبة قومياً وفاشية وبين المهجرين، بما يسمح بتنفيس الأزمات الاقتصادية المتعاظمة والمتعمقة. ج- إفراغ مناطق واسعة في سورية من سكانها، الأمر الذي يسمح ببقاء تلك المناطق تحت سيطرة أنواع خاصة من التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والنصرة، بما يبقيها عوامل توتير وضغط مديد على شكل ومضمون التطبيق الفعلي للحل السياسي في سورية، الذي كلما انطلق بوتيرة أسرع اليوم، وبدأ بتقديم نتائجه المتوخاة جدياً، واقتنع السوريون بها، بدأت مسألة اللجوء واللاجئين بالانحسار سريعاً، هي الأخرى.

 

بالمحصلة، فإنّ أزمة اللجوء السوري هي جزء من الأزمة السورية العامة، ولذلك فهي أزمة سياسية من حيث الجوهر، ولا حل لها إلا بحل الأزمة السورية حلاً سياسياً شاملاً، وكل من يعيق الحل السياسي تحت أية ذريعة إنما يسهم بالإتجار السياسي بدم السوريين وعذاباتهم، وهو ما سيُبقي المسؤولين عن ذلك في ذاكرة الحساب الشعبي السوري.

آخر تعديل على الأحد, 13 أيلول/سبتمبر 2015 11:33