إفتتاحية قاسيون 699: معالم فرز جديدة
تزداد المؤشرات الإيجابية المتعلقة بالجولة الثانية من لقاء موسكو التشاوري مع اقتراب موعده في السادس من نيسان المقبل.
يبدو ذلك واضحاً في المواقف المعلنة للعديد من القوى الداخلية السورية، إضافة إلى مسائل توسيع الطيف المشارك، والحديث عن جدول أعمال، ومشاركة دولية. كل هذه الأمور تؤكد أنّ الجولة الثانية ستحمل معها تقدماً إضافياً ضمن مسار الحل السياسي للأزمة السورية وصولاً إلى «جنيف-3».
في السياق ذاته، فإنّ طريقة تفاعل قوى المعارضة السورية مع لقاء موسكو تثبت تقدم الفرز الإيجابي والمطلوب الحاصل بين صفوفها. فأولئك الذين رفضوا الحضور قاموا عملياً بتثبيت مواقعهم في المراهنة على الحلول العسكرية، حتى وإن لم يعلنوا ذلك، وخطوا بهذا الرفض خطوة إضافية واسعة خارج الميزان الدولي الواقعي، وخارج الضرورات الوطنية السورية، وبالتالي خارج المستقبل السياسي لسورية. وفي هذا السياق فإن التصعيد الميداني خلال الأسابيع الأخيرة يؤشر في أحد جوانبه على إرادة هذا النوع من القوى.
بالمقابل فإنّ الأطراف التي وافقت على الحضور، هي تلك الأطراف التي تريد الحل السياسي فعلاً، وذلك بغض النظر عن تباين رؤاها حول ماهيته وغاياته وتفاصيله التي ستكون عاملاً في إحداث فرز إضافي أعمق من الأول. ففي النقاش الذي من شأنه تحديد المهمات المباشرة والملموسة في الحل التغييري المنشود سيظهر الفرز بين أصحاب وجهات النظر العملية التي تؤدي- من خلال اتخاذ كل ما يلزم لضمان إنهاء الأزمة، وضمان عدم إعادة إنتاجها- إلى إيقاف الكارثة الإنسانية، ومحاربة الإرهاب بشكل جدي، وحل الأزمة لمصلحة الشعب السوري، وضمان وحدة البلاد أرضاً وشعباً ومؤسسات، وبين وجهات النظر التي تحلم باستخدام الحل السياسي لتحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه بالوسائل العسكرية أو وجهات النظر التي تعتبر الدخول في عملية الحل السياسي «ضرورة تكتيكية» من أجل العمل على تخريبه.
إنّ تعقد الظرف الإقليمي مؤخراً، والسعي الأمريكي الواضح لتوسيع خارطة الحريق، يضفي على لقاء موسكو المرتقب أهمية إضافية. فإلى جانب الضرورات الوطنية الكبرى التي تتمثل بتحقيق «المهمة الثلاثية رقم1» (وقف الكارثة الإنسانية، ومحاربة الإرهاب وإطلاق العملية السياسية) بأسرع وقت ممكن، فإنّ هذا اللقاء بالذات وفي الظرف الراهن، يمثل إحدى محطات السباق والصراع العالمي بين أنصار الإحراق والتدمير والتفتيت، وفي مقدمتهم واشنطن، وبين أنصار السلم والحلول السياسية، وفي مقدمتهم روسيا.
ولذلك فإنّ الإصرار بالأفعال وليس بالأقوال فقط على إنجاح هذا اللقاء يبرز كمهمة وطنية لها بعدها الإنساني العام، ما يتطلب من السوريين الذين سيشاركون في هذا اللقاء التحلي بأعلى درجات العقلانية والمسؤولية.
الواضح والثابت اليوم أن الشعب السوري يريد وقف السفك المطرد لدمائه، ووضع حد للدمار التدريجي في ممتلكاته ومؤسسات دولته، والخروج من الدرك المنخفض الذي أوصله إليه انفجار الأزمة السورية بشكلها الراهن ومفاعيله، بالتوازي مع سلوكيات تجار الحرب وكبار الفاسدين من كل شاكلة ولون.
وإن الواضح والثابت اليوم هو أن هذا الشعب الذي تتطلع شرائح واسعة منه، بالعمق، للتغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، يراقب عن كثب تصرفات جميع القوى ويسجلها في ذاكرته الحية.