افتتاحية قاسيون 688: اجتماع موسكو: المواقف ودلالاتها..!

افتتاحية قاسيون 688: اجتماع موسكو: المواقف ودلالاتها..!

يبرز إلى سطح المشهدين السياسي والإعلامي، مع اقتراب موعد اجتماع موسكو التشاوري الممهد لجولة جديدة من جنيف، الاصطفاف القديم الجديد بين أنصار الحل السياسي وأعدائه، وهو اصطفاف حقيقي عابر لـ«الموالاة» و«المعارضة» لأنّه يضع في خندق واحد المتشددين الذين يريدون الاستمرار باستنزاف سورية حتى النهاية أو الذين يقبلون بهذا الاستمرار بغية تحصيل قطعة أكبر من «الكعكة، مقابل جبهة الباحثين عن حل سياسي للأزمة السورية العاصفة.

إنّ اجتماع موسكو التشاوري، والصراع الجاري في السر والعلن من أجل إفشاله بعد أن غدا انعقاده بحكم الأمر الواقع، يعكس مجموعة من الأمور هي:

أولاً، يشكل اجتماع موسكو اختباراً جدياً لنوايا القوى السياسية السورية المختلفة، ويشكل ورقة عباد شمس تميز بين من يريد الذهاب إلى الحل السياسي، قولاً وفعلاً، ومن لا يريد ذلك.

ثانياً، تعكس مواقف القوى المختلفة من الاجتماع مدى قدرتها على فهم طبيعة الأزمة السورية ووقائعها الثابتة والمتحولة بعد أربع سنوات تقريباً من عمرها الكارثي، وطبيعة التغيرات الطارئة على مشهد الموازين الإقليمية والدولية. فتضع هذه المواقف حداً فاصلاً بين أولئك الذين ما يزالون عالقين في الماضي حيث «هيمنة السيد الأمريكي» وبين من يفهمون الواقع الجديد بتوازناته الحقيقية.

ثالثاُ، إنّ الموقف من اجتماع موسكو يحدد مدى فهم القوى السياسية السورية لمسؤولياتها الوطنية، ومدى تحملها للمسؤولية عن استمرار النزيف السوري ومآلات هذا النزيف التي تهدد بوضع وحدة البلاد أرضاً وشعباً على حافة الضياع والتقسيم، وتضع مستقبل الشعب السوري على بوابة المجهول.

رابعاً، إنّ الضرورات الوطنية والوقائع البيّنة التي تدفع نحو الذهاب إلى موسكو تمهيداً لجنيف، تمهيداً لحل سياسي يفضي إلى تغييرات وطنية ديمقراطية جدية وعميقة وشاملة، ترسم تساؤلات وإشارات على القوى الرافضة في أحد اتجاهات ثلاثة، فإما قصور في الفهم لا تحتمله وقائع ومجريات الأزمة، أو هي تراتبية أولويات ونظرات ضيقة لدى هذه القوة أو تلك "تتقدم" على أولوية وقف نزيف الدم السوري، أو أنّ مدى استقلالية تلك القوة الرافضة هو موضع تساؤل.

خامساً، إنّ أشرس رفض لاجتماع موسكو هو الذي تقوده تلك القوى المرتعدة التي تعرف جيداً أنّ الذهاب إلى موسكو وما سيليه سيشكل الحد الفاصل بين الاستمرار بالماضي والانتقال إلى المستقبل، الذي سيعلو فيه صوت السوريين على صوت الرصاص. 

 عودٌ على بدء، يظهر في هذه اللحظات بشكل سافر ومباشر مستوى التعاضد والتخادم بين متشددي الطرفين، ويصل الأمر أحياناً حد التطابق في الطروحات والصياغات والتحليلات، الأمر الذي يعيد التأكيد على التداخل بين صراعين متوازيين يجريان على الأرض السورية: الأول هو الصراع بين الناهبين المحليين فيما بينهم واستقواءهم على بعضهم وعلى الشعب السوري بالناهبين الإقليميين والدوليين وعلى رأسهم الأمريكي ودواعشه، وهو صراع يخاض بدم المنهوبين بطبيعة الحال. أما الثاني فهو الصراع بين المنهوبين والناهبين والذي يجد تعبيره السياسي اليوم بالصراع بين العقلية القائمة على استمرار الاستنزاف وبين منطق الحل السياسي وموجباته.

 افتتاحية العدد 688 بتاريخ الأحد 11/01/2015

آخر تعديل على السبت, 10 كانون2/يناير 2015 11:37