«الزراعة العمودية» كأحد الحلول المبتكرة في المدن وظروف الجفاف

«الزراعة العمودية» كأحد الحلول المبتكرة في المدن وظروف الجفاف

يشكّل التوسع العمراني وزيادة اكتظاظ المدن تحدّياً يضغط على الأراضي الزراعية ويقلّصها، بينما يزيد التغير المناخي من تقلبات الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف والحرائق من جهة أو الفيضانات من جهة أخرى. هذه العوامل تجعل من الضروري إيجاد حلول زراعية مبتكرة تتجاوز القيود التقليدية. «الزراعة العمودية»، التي برزت كحل واعد في الصين تقدّم نفسها كأحد الحلول المقترحة لهذه التحديات. فمن خلال زراعة المحاصيل داخل مبانٍ مجهّزة بتقنيات متطوّرة، تتيح هذه التقنية إنتاج غذاء طازج في قلب المدن، ممّا يقلّل الاعتماد على النقل ويحافظ على الموارد.

مع تزايد عدد سكان العالم وتوسع المدن، تواجه المدن الكبرى تحديات غذائية متزايدة. ففي الصين، حيث يعيش ملايين الأشخاص في مدن مثل شنغهاي وبكين، أصبح تأمين غذاء طازج ومستدام تحدياً كبيراً. تعتمد هذه المدن تقليدياً على الأراضي الزراعية البعيدة، مما يرفع تكاليف النقل ويؤثر على جودة المنتجات الطازجة.

الإضاءة باللّيدّات والرّي الذكي والذكاء الاصطناعي

الزراعة العمودية هي نظام زراعي مبتكر يعتمد على زراعة المحاصيل في طبقات مكدَّسة داخل مبانٍ مغلقة، وتستفيد الصين من هذه التقنية لتعزيز إنتاج الغذاء في مدنها المزدحمة. بحلول شهر تموز الحالي 2025، وصل التطوّر في المزارع العمودية بالصين مستوىً عالياً، حيث تستخدم أنظمة إضاءة «ليد» LED متقدَّمة لتوفير طيف الضوء الأمثل لنموّ النباتات، مما يحاكي ضوء الشمس بدقة ويقلل استهلاك الطاقة. كما تعتمد هذه المزارع على أنظمة الريّ الذكي، مثل الزراعة المائية أو ما يسمى «الأيروبونيك»، التي توفّر المياه والمغذّيات مباشرةً إلى جذور النباتات، ممّا يقلل هدر المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالزراعة التقليدية. أمّا الذكاء الاصطناعي، فيُستخدم لمراقبة الظروف البيئية مثل الرطوبة ودرجة الحرارة، وتحليل بيانات النمو لتحسين إنتاجية المحاصيل. هذه التقنيات تتيح زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل، مثل الخس والأعشاب على مدار العام بغض النظر عن المناخ الخارجي. هذا النهج يجعل الزراعة العمودية في الصين نموذجاً فعالاً لإنتاج غذاء مستدام ومكثَّف في مساحات محدودة.

أمثلة على مزارع عمودية ناجحة في الصين

بحلول تموز 2025، أصبحت الصين رائدة عالمياً في الزراعة العمودية، مع مزارع متطورة في مدن مثل شنغهاي وبكين. على سبيل المثال، مزرعة «سانكياو» في شنغهاي، التي توسعت مؤخّراً، تنتج آلاف الأطنان من الخضروات الورقية سنوياً، مثل الخس والسبانخ، باستخدام أنظمة إضاءة باللّيدات وتقنيات الزراعة المائية. كما أطلقت بكين مشروعاً رائداً لمزرعة عمودية متعددة الطوابق تنتج الفواكه مثل الفراولة والتوت، مما يقلل الاعتماد على الواردات. هذه المزارع، المجهزة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، توفر إنتاجاً مستمراً طوال العام، متجاوزة التحديات المناخية وتقلل تأثير التقلبات الموسمية. تأثير هذه المزارع يتجاوز توفير الغذاء الطازج؛ فهي تقلل من مسافات النقل، مما يحافظ على نضارة المنتجات ويخفض الانبعاثات الكربونية. كما تساهم في تمكين المجتمعات المحلية من خلال توفير خضروات وفواكه عالية الجودة بأسعار تنافسية. هذه المشاريع جعلت الصين نموذجاً للزراعة الحضرية، ملهمة مدن أخرى عالمياً لتبني حلول مشابهة لتعزيز الأمن الغذائي.

اقتصاد للموارد وزيادة بالإنتاجية والجودة

أولاً، تقدم الزراعة العمودية فوائد متعددة تعزز الاستدامة والأمن الغذائي. أولاً، تقلل هذه التقنية استهلاك الموارد بشكل كبير؛ فأنظمة الري الذكي، مثل الزراعة المائية، توفّر بنسبة تصل إلى 90% من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية (أي أنّها تحتاج عشرة بالمئة فقط من كمية المياه التي تحتاجها الزراعة التقليدية)، ممّا يجعلها مثالية للمناطق التي تعاني من شح المياه.

ثانياً، تزيد الزراعة العمودية من الإنتاجية، حيث تتيح زراعة المحاصيل في طبقات مكدَّسة داخل مساحات صغيرة، مما ينتج كميات أكبر من الغذاء مقارنة بالحقول التقليدية. كما أن استخدام إضاءة اللّيد والذكاء الاصطناعي يضمنان نمواً مثالياً للنباتات على مدار العام، بغض النظر عن الظروف المناخية.

ثالثاً، تحسن الزراعة العمودية جودة الغذاء، إذ تُزرع المحاصيل في بيئات خاضعة للرقابة خالية من المبيدات، مما ينتج خضروات وفواكه طازجة وصحية لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء مع تقليل التأثير البيئي وتعزيز صحة المستهلكين.

مستقبل الزراعة العمودية وهل يفيد تطبيقها في سورية؟

تواجه منطقتنا وبلدنا تحديات مثل شح المياه، ونقص الأراضي الخصبة، والتغيّرات المناخية. تقنية الزراعة العمودية، التي تعتمد على زراعة المحاصيل في بيئات مغلقة باستخدام إضاءة خاصة والريّ الذكي، تجعلنا نتساءل إذا ما كانت قادرة على المساهمة ولو جزئياً بشكلٍ ذي جدوى في التخفيف من الأزمة الزراعية والغذائية التي تعيشها سورية وخاصة في سياق إعادة الإعمار وتحقيق الاكتفاء الذاتي. لا شكّ أنّ أوّل التحدّيات التي تخطر على بالنا مباشرةً هو الناحية التكنولوجية، فبحسب ما تم توصيفه يحتاج هذا النوع من الزراعة إلى تقنيات محدّدة ينبغي تأمينها فضلاً عن الحديث عن الذكاء الاصطناعي مما يعيدنا إلى مسألة الطاقة الضرورية لتشغيله لوقت كافٍ لإنجاح العملية. لكن من جهة أخرى ينبغي دراسة احتمال فائدة هذا التوجه (الزراعة العمودية) في دعم مشروعات للاقتصادات المحلية من خلال خلق فرص عمل في مجالات التكنولوجيا الزراعية وإدارة المزارع. كما أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجذب الشباب السوري للعمل في هذا القطاع المبتكر، مما يدعم الاقتصاد ويسهم في إعادة الإعمار. لا تتطلب الزراعة العمودية مساحات واسعة أو تربة خصبة. فهل يمكن لمدن مثل دمشق وحلب، التي تضم كثافة سكانية عالية، أن تستفيد من مزارع عمودية لتوفير خضروات وفواكه طازجة محلياً؟ السؤال مفتوح، وبحاجة إلى تقييم من الخبراء وربما القيام ببعض التجارب الأولية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235