الحرب التجارية قد تضرب البنية التحتية للبحث العلمي في أمريكا
إن الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضتها إدارة ترامب على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة والأشد على السلع من الصين، تزيد من تكاليف معدات المختبرات والأجهزة العلمية المتخصصة في البلاد. نشرت مجلة الطبيعة العلمية مراجعة لتأثيرات سلبية متوقعة على التطور العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية من جراء رفع الرسوم الجمركية، مما يبرز أحد التناقضات بين هدف ترامب من رفعها بإعادة النهضة الصناعية لأمريكا وبين انتكاسة في تأمين اقتصادي لمستلزمات التطوير العلمي والتكنولوجي بسبب استيرادها بتكاليف أعلى.
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
وتأتي زيادات الأسعار في الوقت الذي تعاني فيه ميزانيات الأبحاث للمختبرات الأمريكية من ضائقة مالية بسبب إلغاءات غير مسبوقة للمنح وتخفيضات في تمويل الجامعات منذ أن بدأت رئاسة دونالد ترامب الثانية في كانون الثاني.
يقول درو كيفوركيان، الرئيس التنفيذي لشركة ARES Scientific في ميامي بيتش بولاية فلوريدا، والتي تزود المختبرات العلمية بمعدات البحث، بما في ذلك تلك الموجودة في العديد من الجامعات: «نحن نقدم بالفعل عروض أسعار اليوم تزيد بنسبة 20٪ عن أسعار الأمس». «أعتقد أن الجميع تقريباً سيشهد زيادة في الأسعار من نوع ما».
دخلت الجولة الأخيرة من الرسوم الجمركية حيز التنفيذ في 5 نيسان لجميع الدول، قبل أن يعلقها ترامب مؤقتاً باستثناء الصين.
يقول تينغلونغ داي، الباحث في سلاسل التوريد العالمية والرعاية الصحية بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، ماريلاند، إن هذه الرسوم تُمثل «تغييرات منهجية في هيكل تكلفة البحث العلمي، وهي تأتي في وقت تعاني فيه مؤسسات البحث من ضغوط مالية حادة». ويضيف: «الأمر لا يقتصر على التقشف، بل قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير، ويهدد بالتسبب في أضرار دائمة».
يقول داي إن الولايات المتحدة تستورد معدات وكواشف مختبرية بمليارات الدولارات سنوياً. ويأتي العديد من هذه المنتجات من دول ستتأثر بزيادات الرسوم الجمركية إذا مضى ترامب بتطبيقها، عاجلاً أم آجلاً، بما في ذلك الصين وسويسرا واليابان والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي؛ بينما يأتي البعض الآخر من المكسيك وكندا، اللتين فرضت عليهما إدارة ترامب رسوماً جمركية في وقت سابق من هذا العام.
وعند إعلانه عن أحدث الرسوم الجمركية في 2 نيسان، قال ترامب إنها ستنقذ الولايات المتحدة من «حالة طوارئ وطنية»، وستعزز قاعدة التصنيع المُفرّغة، وستقلل من اعتماد البلاد على «الخصوم الأجانب».
أثارت هذه الأخبار اضطرابات مالية عالمية: تراجعت الأسهم، وحذّر صندوق النقد الدولي من خطر كبير على الاقتصاد العالمي.
المجاهر، والأطباق الزجاجية، وأجهزة فحص الحمض النووي
أبلغ باحثون مجلة «نيتشر» أن أسعار العديد من المنتجات العلمية قد تتأثر.
ويقولون إن الصين تُورّد إلى الولايات المتحدة معدات مختبرية أساسية، مثل الأنابيب الزجاجية والكواشف، بالإضافة إلى معدات إلكترونية متطورة، بما في ذلك رقائق الكمبيوتر وشاشات الكريستال السائل والحاضنات. أما ألمانيا (التي ستُفرض على وارداتها، مثل واردات بقية دول الاتحاد الأوروبي، رسوم جمركية بنسبة 20%) واليابان (24%)، فتُورّد أدوات مختبرية متطورة، مثل المجاهر أو أجهزة التحليل الدقيقة، بينما تُعدّ سويسرا (32%) والمملكة المتحدة (10%) من كبار مُصدّري أدوات التشخيص والأجسام المضادة والمواد الكيميائية المتخصصة. تُورّد المكسيك الأدوات البلاستيكية، بينما تُوفّر كندا معدات متخصصة، بما في ذلك أجهزة تسلسل الحمض النووي وأجهزة عدّ الخلايا. غالباً ما تأتي أجهزة التعقيم وأجهزة الطرد المركزي وغسالات الأواني الزجاجية المستخدمة في المختبرات الأمريكية من أوروبا.
يقول داي: «هذه ليست سلعاً فاخرة». إنها البنية التحتية الأساسية للعلوم الحديثة.
يقول ميخائيل كاتس، الفيزيائي بجامعة ويسكونسن-ماديسون، إنه ليس من الواضح كيف ستُطبق الرسوم الجمركية على العناصر المدرجة في ميزانية المنحة. ويتساءل: «هل نُحدد السعر أم السعر مع الرسوم الجمركية؟».
يقول كيفوركيان إن نحو 60% من المنتجات التي تُورّدها شركته تُصنع في الولايات المتحدة، و40% منها مستوردة. ولكن حتى المنتجات الأمريكية الصنع غالباً ما تعتمد على مكونات مستوردة. يقول داي: «قد يعتمد جهاز تسلسل الحمض النووي المُصنّع في كاليفورنيا على البصريات من ألمانيا وأشباه الموصلات من الصين».
يقول كيفوركيان إن التحول إلى موردين أمريكيين لا يُخفّض التكاليف دائماً. «صدق أو لا تصدق، بعض المنتجات التي نشتريها من الخارج، حتى مع فرض الرسوم الجمركية عليها، لا تزال أقل تكلفة من شرائها من الولايات المتحدة».
تعقيد سلسلة التوريد
تقول كانان غونيس كورلو، الباحثة في إدارة سلسلة التوريد في كلية متروبوليتان بجامعة بوسطن في ماساتشوستس، إن تغيير الموردين ليس بالأمر الهيّن. يجب بناء الثقة والتحقق من الجودة. وتضيف: «ليس الأمر سهلاً بين عشية وضحاها».
وتضيف غونيس كورلو إن جائحة كوفيد-19 - التي تسببت أيضاً في اضطراب دولي في توريد معدات المختبرات - ربما جعلت الشركات أكثر وعياً بنقاط ضعفها. وتضيف: «أشعر أن الشركات أصبحت أكثر استعداداً لهذا النوع من الاضطراب في سلاسل التوريد الخاصة بها بسبب كوفيد».
لكن بعض المنتجات، مثل المجاهر الضوئية عالية الجودة، لا تُصنع في الولايات المتحدة على الإطلاق، كما تقول داي، مما يعني أنه لا توجد طريقة لتجنب آثار رسوم الاستيراد.
لا تقتصر التأثيرات على المختبرات الأمريكية فحسب، إذ تدرس المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين فرض رسوم جمركية انتقامية على الواردات من الولايات المتحدة (الصين طبقتها برد قوي بالفعل وصل 125%) مما قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار معدات المختبرات عالمياً، كما تقول داي. نحن في الواقع في بداية ما قد يصبح فترة فوضى ناجمة عن الرسوم الجمركية. يقول كيفوركيان إن الرسوم الجمركية تُنذر بعواقب قصيرة الأجل.
في مختبرات الأبحاث. ولكن على المدى البعيد، يأمل أن تُعزز هذه التقنيات الكفاءة وتُحفز الباحثين على الاستثمار في معدات عالية الجودة وأطول عمراً. «أعتقد أن الناس سيبحثون عن كيفية الاستثمار في معدات عالية الجودة لا يضطرون إلى إنفاق المال على صيانتها أو استبدالها».
هذا ما استمزجته مجلة الطبيعة من آراء بشأن تأثير الرسوم الجمركية الجديدة، ويبقى السؤال هل تملك الولايات المتحدة الأمريكية ترف الوقت لتنتقل إلى اكتفاء ذاتي مزعوم بالبنية التحتية العلمية، في وقت تسابق فيه الصين الزمن بوصفها منافستها الأكبر للتفوق العلمي والتقني؟ أم أن الانحدار الشامل للإمبراطورية الأمريكية بما فيه انحدارها العلمي بدأت تكتب آخر فصوله التاريخية الختامية عما قريب؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222