ما هو «الذباب الإلكتروني» وما تأثيره على الرأي العام؟
علي جبير علي جبير

ما هو «الذباب الإلكتروني» وما تأثيره على الرأي العام؟

الذباب الإلكتروني مصطلح حديث في عالَم الإعلام الرقمي، ويمكن تعريفه بأنّه: «حسابات افتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام) يتم تشغيلها بواسطة برامج متخصصة، أو من مجموعة من المديرين، وتعمل على تكثيف نشر منشورات معيّنة بأعداد هائلة، تتضمن معلومات غير كاملة أو كاذبة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى صعوبة الوصول إلى المنشورات الحقيقية، بهدف تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام، وذلك خدمة لمصالح بعض الدول أو الكيانات أو الأشخاص». هذا ما ورد في مقال بحثي عن الموضوع بعنوان «أثر الذباب الإلكتروني على توجهات الرأي العام»، نشره الباحث العراقي علي سعدي عبد الزهرة جبير عام 2021 في المجلة العراقية للعلوم السياسية. وفيما يأتي تلخيص لأبرز ما ورد فيه.

يقول الباحث إن تشكيل سرب الذباب الإلكتروني يتضمن حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي يتم توجيهها من قِبَل مبرمجين مختصّين ضدّ دول أو شركات أو كيانات أو أفراد. ويستعمل في حرب المنشورات، بجنود مجهولين أسلحتهم الحواسيب وساحاتهم منصات التواصل. والذباب الإلكتروني عبارة في الغالب عن روبوتات أو برامج مصمَّمة لتظهر كأشخاص حقيقيين على وسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق كتابة عدد كبير وكثيف من المنشورات، لتصبح ذات شهرة، أيْ عبر بعض المال والخطوات البرمجية. وهكذا يمكن أن تتحول أي قضية إلى حديث الساعة (تريند) فتوحي وكأن هناك مجموعة كبيرة من البشر الحقيقيين مجمعين على رأي عام واحد هو الرأي/أو الآراء المطلوب ترويجها من المتحكم بسرب الذباب الإلكتروني.
ويعمل الذباب الإلكتروني على قمع الرأي المخالِف عبر التعليقات المعارِضة له، وكذلك نشر منشورات هجومية على الرأي أو الجهة المستَهدَفة. ويُستَخدم الذباب الإلكتروني في الترويج لعلامة تجارية معيّنة مثلاً، عبر نشر عدد كبير من المنشورات أو التغريدات مع هاشتاغ خاص، ليتصدّر ولتحصد تلك الشركة شهرة أكبر، وكذلك يستخدم الذباب الإلكتروني لتحقيق أهداف سياسية.
كما يهدف البعض إلى الاستعانة بأسراب الذباب الإلكتروني بهدف زيادة عدد المتابعين لحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي سعياً وراء الشهرة والمال. ويستخدم كذلك في الحروب الاقتصادية بين الشركات المتنافسة، إذ تسعى إلى إقصاء المنافسين، عبر تشويه سمعتهم أو الإساءة إلى منتجاتهم.
وضمن «إشكالية البحث» لفت الباحث إلى «مدى مساهمة الذباب الإلكتروني في إشعال فتيل الأزمة بين الدول، وخلق الأزمات داخل الدولة الواحدة، وتوحيد الرأي العام لصالح جهات حول قضية معيّنة وكأنهم على حق، والآخَر على باطل».
واعتمد الباحث على «المنهج الوصفي التحليلي» وكذلك على «منهج الاتصال» باعتبار أنّ أيّ ظاهرة هي بمثابة عملية تفاعلية تأثير وتأثر، مصدرها الأساس الاتصال.
ومن بين مهام الذباب الإلكتروني بحسب ما ورد في البحث: تنفيذ عمليات كثيرة من إعادة النشر والتغريد، والإبلاغ، أو الإعجاب بمنشور معيّن. كذلك قد يعمل في مهام اختراق حسابات أو السيطرة عليها.
ومن بين آثار الذباب الإلكتروني أنه «يجعل مواقع التواصل الاجتماعي أداة ضعيفة لمعرفة ما يجري العالَم. والإزعاج المبرمَج قد يشمل أيضاً سقوطاً أخلاقياً من قبل الجنود المبرمَجين على الإيذاء، وقد ينفذه شخص أو مجموعات وقد تنفق عليه الدول ملايين الدولارات من أجل إسكات أيّ صوت يزعج السلطات وسلاحها في هذه الحرب الضروس جنود صغار، يقوم الذباب بإنشاء «هاشتاغ» معاكس والنشر فيه بكثافة ليتفوق على الهاشتاغ الأصلي من حيث النشاط وعدد المنشورات والتفاعل، وبالتالي قمع الهاشتاغ الأصلي والتأكيد على أنّ المطالبين تلك الفكرة أو القضية أقلية وأنّ الأغلبية مع الفكرة التي يدافع عنها ويسوّقها سرب الذباب الإلكتروني».
«وعندما يستهدف الذباب شخصاً أو شركة أو حكومة أو دولة أو لغة أو دين أو مجتمع أو أفراد أو تقاليد معينة أو فكراً أو عرقاً أو جنساً، فإنه يستخدم خطاب الكراهية أساساً للمنشورات والتغريدات التي تُنشر في هذا السياق، وتنجح هذه الحملات لأنها تلعب على أوتار حساسة للناس، مثل الدين والعرق والانتماء واللغة والدفاع عن الحق وبقية المحفزات التي تدفع المستخدمين لكتابة المنشورات التي تخدم السياق ذاته».
وقد تكون من أهداف الذباب الإلكتروني افتعال أزمات أو تأجيجها وإطالتها، ويمكن أن تقف وراء قيادة أسراب الذباب الإلكتروني جهات حكومية أو أمنية أو بعض الجماعات المعارضة أو المؤيدة لحكومات معينة أو «أياد خفية».

مِن الذباب «البوليسي» إلى «الإلكتروني»

حول التشبيه بالذباب، أشار الباحث إلى أنّ الذباب الإلكتروني يحمل بعض صفات حشرات الذباب مثل: الطيش والخطأ والهوان والوقاحة والإزعاج والبحث عن القاذورات.
وجاءت ظاهرة الذباب الإلكتروني بالاستفادة من التطور التكنولوجي ولا سيّما الجيل الثاني من الويب الذي تحول معه الإنترنت إلى منصة عمل أكثر من كونها مجرد مواقع، وتتكون من شبكات اجتماعية وتطبيقاتها من المدونات والمحتوى الموسوعي واليوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعي، وإمكانية أن ينشر كل مستخدم ما يحلو له من معلومات، مما زاد تدفق المعلومات وصعوبة أو حتى استحالة التحقق من صحتها.
ويقول الباحث حول ظهور الذباب الإلكتروني، بأنّ قصة الذباب قديمة جديدة، أقدم من أن تكون وليدة حالة من التطور الفائق لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، وليست كما ورد تعريفها في الموسوعة الحرة ويكيبيديا بأنها استخدمت للمرة الأولى عام 2017، بل استعار الذباب كمفهوم متداول في الأوساط الأمنية والسياسية يعود إلى أواخر عهد الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، الذي ارتكزت قاعدة العمل لديه على الطاعة في الداخل والسمعة الحسنة في الخارج، إذ شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من حكمه حالة مظلمة من الضغط السياسي والاقتصادي والثقافي آلت إلى خضوع المجتمع الفرنسي للملك خضوعاً كبيراً، وهو القائل «أنا الدولة والدولة أنا»، حتى تغذية روح احتجاجية صاعدة في الأوساط الاجتماعية استمرت حتى اندلاع الثورة الفرنسية. وشكلت الحدائق الباريسية والأسواق والمقاهي والمسارح آنذاك ميداناً حياً انتعشت في حدوده حركات التململ الشعبي والآراء الناقدة للملكية المطلقة، وبدأ يتشكل، إلى جانب المجال العمومي الذي تهيمن عليه السلطة الملكية، مجال عمومي برجوازي يحمل بذور التحدي للسلطة، لكن لويس الرابع عشر استعان بأجهزة الشرطة آنذاك في عملية زرع مخبرين سريين يرصدون ويتابعون مباشرة كل ما يجري ويدور في الفضاء العام، ويقومون بالإبلاغ عنها، وعن الأخبار الشائعة في الميادين العامة، وعرفوا باسم «ذباب الشرطة» الذين اتسع انتشارهم أواخر عهد لويس الرابع عشر في محاولة لتوجيه الرأي العام واحتوائه، فكلما زاد عدد الذباب لاحت في أفق السلطة إمكانية التحكم بالمسار الاجتماعي وتعديله.

أنواع حسابات الذباب الإلكتروني

1- شخص حقيقي وهوية رقمية حقيقية: له اسم ومحل إقامة ومصالح وحياة كاملة، وهو اختار إنشاء حساب على أحد منصات التواصل الاجتماعي، ووضع اسمه أو صورته أو رقم هاتفه أو بريده الإلكتروني والبدء في التفاعل وفقاً لاهتماماته الحقيقية.
2- شخص اختار عدم الكشف عن هويته الحقيقية، ربما من أجل التنكر بغرض الاحتيال أو التنقل في مناطق أكبر إلكترونياً عن طريق البحث، والكتابة ومراقبة الأشياء التي يستطيع فعلها بهويته المزيفة ولا يستطيع فعلها بهويته الحقيقية.
3- مجهول (وهمي): حساب شخص لم يكون موجوداً بالفعل، ويتم إنشاؤها عادة لغرض الدعاية الإلكترونية، وهو غالباً مبرمَج، فيما يعرف باسم بوت (BOT) وتعمل هذه الحسابات في أوقات معينة فقط لغرض دعم منشور هاشتاغ أو ترويج فكرة معينة أو منتج معين.
4- هوية رقمية متكاملة لمن يفعّلها: هذا النوع هو الأكثر احترافاً وتستخدمها الشركات الكبيرة في إنشاء حسابات إلكترونية ولكل حساب هوية رقمية كاملة مثل ملف صورة لشخص واسم قد يشير إلى انتماء إلى عائلة وما إلى ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1213