خطر الاحتلال الصهيوني على الأمن المائي لسورية والمنطقة (2)
نتابع فيما يأتي ملخّصاً لأبرز المعلومات التي وردت تحت العنوان الفرعيّ «الموارد المائية بين سوريّة والكيان الصهيوني المُحتل» ضِمن دراسة المهندس عمر المسالمة، المنشورة عام 2016 بعنوان «دراسة عن الأمن المائي في سورية».
نجد أحد التعبيرات عن ربط الكيان الصهيوني بين قضية المياه واعتباراته الأمنية والاستراتيجية في قول «إيغال آلون»، منظِّرُ حزب العمل الصهيوني: «إنّ لهضبة الجولان ولمنحدر جبل الشيخ أهمية حيوية، لا من أجل الدفاع عن مستوطنات وادي الحولة ضد الرميات السورية فحسب، بل ولحاجات (إسرائيل) الاستراتيجية الشاملة في الإشراف على الجولان، فهذا يتعلق بالدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وعن الجـليل الأعـلى والأسفل، وعن الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان».
منذ 1950 حتى 1955 عمل الكيان على تجفيف بحيرة «الحولة»، وعام 1953 بدأ بناءَ محطة كهربائية عند جسر «بنات يعقوب» شمالي بحيرة «طبرية». بعد ذلك أرسل الرئيس الأمريكي موفَدَه جونستون إلى سورية، ولبنان، والأردن، والكيان الصهيوني، بهدف إقناعها بالموافقة على مشروع استثمار موحَّد للموارد المائية في حوض نهر الأردن، وتقاسم المياه التي تصل كمياتها إلى 1213 مليون متر مكعب (م3) سنوياً، أمّا حسب التقديرات العربية فتصل إلى 1422 مليون م3 سنوياً بما فيها حصة لبنان، وتتوزع: لبنان 35 مليوناً، سورية 132 مليوناً، الأردن 975 مليوناً، والكيان الصهيوني 287 مليوناً. أمّا حسب المصادر الصهيونية فحُذِفَ لبنان من المشروع، وقد رفض المشروع آنذاك من العرب ومن الكيان الصهيوني.
خطة سميث (1953–1960) حدّدت زيادة كمية المياه إلى 1730 مليون م3 عام 1960 بدلاً من 810 ملايين عام 1953، وعلى الشكل الآتي: 380 مليون م3 من الينابيع والمياه الجوفية والسطحية في فلسطين المحتلة و540 مليون م3 من مياه نهر الأردن وروافده.
خطّط مشروع كوتون الصهيوني (عام 1954) لضم نهر الليطاني اللبنانيّ منبعاً ومصبّاً، والبالغ تدفّقه 700 مليون م3 سنوياً، وتوزيع موارد المياه بين الدول المعنية كالآتي سنوياً: لبنان 300 مليون م3 سنوياً، سورية 45 مليوناً، الأردن 710 مليوناً، والكيان الصهيوني 1290 مليوناً. وأظهر مشروع كوتون للمرة الأولى علناً تحويل نهر الأردن إلى النقب.
عام 1964 انتهى العمل بأكبر مشروع مائي «إسرائيلي» المسمّى «الناقل القُطري للمياه»، بطول 130 كم، لنقل ما مجموعه 1.7 مليون م3 في اليوم، من بحيرة طبريا الواقعة في أقصى الشمال الشرقي على الحدود مع الجولان السوري إلى المراكز ذات الكثافة السكانية العالية وإلى الجنوب القاحل وإرواء مساحات واسعة من أراضي النقب لتشجيع الحركة الاستيطانية فيه، وقد صادر آلاف الدونمات على طول المشروع.
عام 1964 عقدت قمة عربية في القاهرة بدعوة من جمال عبد الناصر ردّاً على مشروع (الناقل القُطري)، واتُّخِذ قرار بتشكيل «هيئة استغلال مياه الأردن وروافده»، تتولّى مهمة وضع التصاميم والإشراف على تنفيذ تحويل نهري الحاصباني وبانياس بقناة تصل نهر اليرموك عبر الجولان لتصب في سدٍّ يتم تزويد الأردن منه. لم ينفَّذ المشروع لأنّ الكيان الصهيوني ضرَبَ المنشآت، وكان ذلك تمهيداً لحرب 5 حزيران 1967، التي احتلّ الصهاينة بنتيجتها الضفة الغربية والجولان وسيناء واستباحوا الموارد المائية في طبريا ونهر الأردن والجولان.
عام 1965 بادرت الحكومة السورية لبناء مشروع للاستفادة من المياه في تلك المنطقة وتحويل نهر الأردن، ووقعت مصادمات عسكرية بين سورية والكيان الصهيوني عُرفت بحرب المياه.
أدّى عدوان 5 حزيران 1967 وسيطرة الكيان الصهيوني على الجولان وتحكّمه بموارده المائية إلى وقف تحويل نهر الأردن وروافده، وزيادة الموارد المائية «لإسرائيل» بنحو 600 مليون م3 سنوياً.
في نهاية حزيران 1967 قامت سلطات الاحتلال بأوّل مسح مائيّ للجولان، واكتشاف قُرابة 100 نبع مياه، ومنع أي مواطن في الجولان من الحفر أعمق من 3 أمتار، فقُضِيَ نهائياً على إمكانية حفر المواطنين السوريين للآبار واستثمار مياههم الجوفية.
في خريف 1968، استخدم الكيان الصهيوني بحيرة مسعدة كخزّان كبير للمياه، محوّلاً إليها مياهَ نهر صعار المجاور، وسيل أبو سعيد شتاءً، وأقام في جنوب البحيرة محطة ضخ تغذّي شبكة لتوزيع المياه على المستوطنات شمال الجولان، ضاخّاً 1.5 مليون م3 من المياه سنوياً إلى المستوطنات والداخل الصهيوني.
عام 1971 قدّمت غولدا مائير مشروعاً مائياً أمام الكنيست الصهيوني من أهمّ أهدافه: جعل (إسرائيل) غير مغلقة جغرافياً، والسيطرة على المنافذ المائية بما يكفل «للدولة اليهودية» إمكانية القيام بمشاريع تحلية المياه.
عام 1980 صدر قرار مجلس الأمن 465 داعياً (إسرائيل) لاتخاذ إجراءات متكاملة لحماية الأرض والملكية العامة والخاصة ومصادر المياه.
في 17 كانون الأول 1981، أصدر الكيان الصهيوني قرار ضم الجولان، زاعماً ملكيّته للأراضي السورية المحتلة ومياهها، وذلك بعد إصداره قانون «تعديل الجنسية» في 10/7/1980 الزاعم «حق» وزير الداخلية الصهيونية إعطاء «جنسية» الكيان لسكان المناطق المحتلة عام 1967. وفي 17/12/1981 أكّد مجلس الأمن الدولي بقراره 497 بطلان قانون الضم «الإسرائيلي» للجولان. كما أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها في 5/2/1982 عدم امتثال الكيان الصهيوني لقرار مجلس الأمن المذكور، حيث نفّذت القرى العربية السورية الخمس إضراباً شاملاً احتجاجاً على قانون الضم والجنسية ورفضوا الهوية «الإسرائيلية».
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 446 لتشكيل لجنة دراسة آثار الاحتلال للأراضي العربية منذ 1967، فجاء في تقرير اللجنة: «استناداً إلى أنّ المياه مادة نادرة وثمينة في المنطقة، والسيطرة على مصادرها وتوزيعها تعني السيطرة على أهم وسائل الحياة والبقاء، مما يعني أنّ (إسرائيل) تستخدم المياه ليس كسلاح اقتصادي فقط بل أيضاً كسلاح سياسي لتدعم سياسات توسيع مستوطناتها، ولذلك فإنّ أعمال الزراعة والاقتصاد للسكان العرب ستتضرّر بشكل كبير».
مطلع تموز 2006 شرع الكيان ببناء سدٍّ ركاميّ على بعد أمتار من غرب خط وقف إطلاق النار في مدينة القنيطرة المحرّرة، وتحت أنظار الوحدة البولندية التابعة لقوات الأمم المتحدة، بهدف سرقة مياه وادي الرقاد أكبر وأغزر الأودية التي تمدّ المناطق المحرّرة من الجولان ونهر اليرموك بالمياه، الأمر الذي يحرم سورية والأردن من حقّهما الطبيعي في مياه اليرموك، ومن مخاطر إنشاء هذا السد في الجزء المحتل من مدينة القنيطرة تهديد حياة وممتلكات أبناء القنيطرة في حال حدوث فيضانات أو انهيارات في السد، مشابهاً لما حصل في سد المنصورة عامي 1992 و2003 وما نتج عن ذلك من كوارث بشرية ومادية للمواطنين على أرض المحافظة، بالإضافة إلى حرمان المزارعين السوريين من أهم مصادر المياه لري مزروعاتهم وماشيتهم، ناهيك عن النوايا الصهيونية الرامية للحدّ من الواردات المائية إلى السدود المقامة على وادي الرقاد في الجزء المحرّر من الجولان وعددها ستة سدود يصل حجمها التخزيني إلى 53 مليون م3 وتروي مساحة 4500 هكتار.
إنّ المطّلع على الخريطة والمتابع لخط الحدود الذي تم الاتفاق عليه اليوم يجد أنّ خط الحدود يتعرج بشكل غير طبيعي لكي يضم منابع الأنهار والوديان، إذْ استمرَّ خطُ الحدود جنوباً موازياً لنهر الأردن وعلى بعد قليل منه للشرق، لكي يضمن وجود النهر بكامله في فلسطين المحتلة، كما حرص البريطانيون ومن ورائهم الصهاينة على أن تكون بحيرة طبريا كلّها في فلسطين المحتلة، ولتأكيد ذلك استمر خط الحدود على بعد 10 أمتار من الشاطئ الشرقي الشمالي للبحيرة ثم توسع في الأراضي السورية لكي يضم مصبَّ نهر اليرموك بكامله شرق الحمّة، ثم يعود الخط بعد ذلك إلى منتصف نهر الأردن، ليكون الخط الفاصل بين الأردن وفلسطين، وتم تعليم الحدود على مسافة طولها 79 كم مع سورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1208