خطر الاحتلال الصهيوني على الأمن المائي لسورية والمنطقة (1)
واصلت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» توغّلها وانتهاكاتها في جنوب سورية طيلة الأيام الماضية، وتوغّلها في ريف القنيطرة الجنوبي ودرعا وحوض اليرموك بعد إكمال احتلالها لجبل الشيخ، ممّا يشكّل تهديداً خطيراً للأمن المائي السوري وخاصةً مع سيطرة جيش الاحتلال على منابع وسدود مائية هامّة في ريفي القنيطرة ودرعا، والتي تُغذّي بالإضافة للمحافظتين مناطقَ ريف دمشق وضواحي العاصمة الغربية والجنوبية، ومنها سدّ الوحدة الاستراتيجي بين سورية والأردن، و13 سداً في منطقة وادي الرقاد، منها سد المنطرة وسد كودنا. وبلغت المساحة السورية الإضافية التي سيطر عليها الاحتلال حتى الآن نحو 600 كلم مربعاً. فيما يأتي إضاءة على الخطر الذي يشكّله الاحتلال الصهيوني على الثروة المائية في سورية، استناداً إلى دراسة للمهندس عمر المسالمة، منشورة عام 2016 بعنوان «دراسة عن الأمن المائي في سورية».
تحتل المياه أولويّة قصوى في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، ويتبيّن ذلك منذ مراسلات زعماء الحركة الصهيونية ومقرَّرات مؤتمراتهم الأولى. فلقد تنبَّهَ تيودور هيرتزل لأهميّة المياه بالنسبة إلى الأرض التي سيغتصبها كيان الاحتلال أو ما يسمّى (الدولة العِبرية) التي حلم بها في روايته (الأرض الجديدة – الأرض القديمة) التي تمّ نشرها عام 1902 م، وكتب: «إنّ المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة – القديمة هم مهندسو الماء، فعليهم يتوقّف كلُّ شيء من تجفيف المستنقعات إلى ريّ المساحات المجدبة وإنشاء معامل توليد الطاقة الكهربائية».
محطّات تاريخية من خطط سرقة المياه
في عام 1867 نظّمت 16 مؤسسة لاستكشاف فلسطين البعثة الصهيونية الأولى من مهندسين مختصّين لتقيّيم الموارد المائية في المنطقة، فوضعت اللجنة في تقريرها أهمية الاستفادة من مياه نهري الأردن والليطاني في أيّ «وطن» مستقبلي للصهيونية في فلسطين.
عام 1873 أُرسِلت بعثة بريطانية إلى الأراضي الفلسطينية لدراسة الموارد المائية، واستنتجت أنها تكفي 6 مليون نسمة إذا تمّ الاستفادة من كل الموارد المائية.
بين 1899 و1900 قدَّمَ أبرهام بروكات، وهو مهندس سويسري اعتنق الديانة اليهودية، مشروعَه إلى مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل قائلاً «إن أرض (إسرائيل) المقترحة يمكن أن تكون خصبة جداً باستخدام مشروع طاقة وريّ ضخم وذلك باستخدام مياه الأردن والليطاني لريّ أراضي (إسرائيل) الموعودة والمدن الأخرى والقدس بالمياه».
عام 1905 قام المهندس العالَمي ديلبوس بدراسة حول نهر الأردن وتوصّل إلى نتيجة مؤدّاها بأنّ مياهه لا تكفي حاجة «إسرائيل» على المدى البعيد، واقترح تحويل مياه الحاصباني أو الليطاني إلى الأراضي المحتلة.
عام 1916 اعترضت الحركة الصهيونية عبر رسائل متبادلة بين زعماءها كهرتزل وبين البريطانيين على اتفاقية سايكس بيكو وطالبوا أن تمتد حدود «إسرائيل» إلى مدينة صيدا ونهر الليطاني وكل ينابيع مياه نهر الأردن في جبل الشيخ ومنطقة حوران «لأن المياه شيء حيوي، إمّا أن تكون هذه (الدولة) أو لا تكون».
عام 1919 طالبت الحركة الصهيونية مؤتمرَ فرساي (مؤتمر الصلح) في أعقاب الحرب العالمية الأولى بإجراء تعديل على حدود «إسرائيل» المفترضة آنذاك لتشمل نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن وجبل الشيخ وبحيرة طبريا، ورفضَ المؤتمر مطالبَها.
في 30/10/1920 بعثَ «حاييم وايزمان» بمذكَّرة إلى وزير خارجية بريطانيا جاء فيها «إنني متأكِّد مِن أنّ سيادتكم تدركون أهمية الليطاني الكبرى (لإسرائيل) لو تأمَّنتْ لها جميع مياه الأردن واليرموك لن تفي بحاجاتها، إنّ الليطاني هو المصدر الذي يمكن أن يوفر ريّ الجليل الأعلى».
في 3 شباط 1922 تمّ الاتفاق بين البريطاني نيو كامب والفرنسي يوليه بالتوقيع على خريطة الحدود بعد مفاوضات مضنية، كانت مهمة الضابط البريطاني في سلاح الهندسة أنّ يحقق للصهاينة أكبر مكاسب ممكنة من مَصادر المياه، تنفيذاً للخريطة التي قدمها وايزمن إلى مؤتمر فرساي عام 1919. وتبع هذه الرسائل والمخططات مجموعة من الامتيازات والمشاريع التي منحتها دولة الاحتلال البريطاني للأفراد والشركات الصهيونية.
ففي عام 1921 حصلت إحدى الشركات اليهودية على امتياز استغلال مياه نهر الأردن، وجاء في نص الوثيقة «لا يسمح لأيّ شركة أو فرد باستعمال مياه نهر الأردن أو اليرموك لأيّ غرض إلا بالاتفاق مع الشركة المذكورة، وتسري هذه المادة على شعب الأردن كذلك».
عام 1927 منحت سلطات الانتداب البريطاني امتيازاً مائيّاً كهربائياً للمهندس اليهودي روتنبرغ لمدة 70 عاماً، يسمح لليهود فقط باستخدام مياه نهرَي الأردن واليرموك لتوليد الكهرباء.
عام 1934 تم تجفيف بحيرة الحولة، وتم منحهم امتيازاً باستغلال أملاح وذهب البحر الميت.
عام 1939، هدف مشروع يونيدس لدراسة المياه في فلسطين إلى تخزين مياه نهر اليرموك في بحيرة طبريا، وإنشاء قناة لسحب مياه اليرموك من البحيرة إلى أراضي الغور الغربي.
عام 1941 عرضت شركة يهودية على الرئيس اللبناني ألفريد نقاش منحَها امتياز استغلال مياه نهر الليطاني لتزويد الأراضي اللبنانية بالمياه والكهرباء، ونقل الفائض منها إلى فلسطين المحتلة، إلّا أنّ الرئيس اللبناني رفض ذلك العرض.
عام 1944 مشروع لادور ميلك لدراسة الموارد المائية في فلسطين وإمكانية استخدامها، وهدف إلى استغلال مياه نهر بانياس لصالح المستوطنات شمال فلسطين المحتلة.
عام 1946 تطبيق مشروع هيز الذي برز منذ 1944 كنقلة نوعيّة في توسيع نطاق المياه المستهدف سَلبُها، مركزاً على استغلال مياه حوض نهر الأردن للمصالح الصهيونية ومقسماً إلى ثماني مراحل.
في 15 أيّار 1948 تم إعلان قيام الكيان الصهيوني بعد تسليم الاحتلال البريطاني فلسطين للعصابات الصهيونية، وبعد الإعلان بمدّة وجيزة لخّص ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك في خطاب له الأهمية بقضية الوجود الصهيوني من عدمه بقوله:
«إن اليهود يخوضون اليوم مع العرب معركة المياه، وعلى مصير هذه المعركة يتوقف مصير (إسرائيل) وإذا لم تنجح هذه المعركة، فإننا لن نكون في فلسطين».
لذلك كان قرار عام 1949 الذي جعل المياه مُلكاً عاماً للدولة الصهيونية ومنحها السيطرة على المياه الجوفية والسطحية وعلى الآبار الإرتوازية بما في ذلك حوض نهر الأردن وما يشكّله من أخصب المناطق الزراعية.
وأُعدّت دراسات ومشاريع لاقتسام وتنظيم استخدام نهر الأردن وحوضه وأهمها مشروع جونستون عام 1955 ونَقَلَ الكيان الصهيوني جزءاً كبيراً من مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب، وقام بسرقة مياه قطاع غزة عبر أنابيب توصيل ونقلها إلى منطقة بئر السبع.
كما اتبع سياسة تقوم بكل الوسائل لسلب مياه الدول المحيطة باتباع عدة أساليب (الاحتلال المباشر للأرض كما جرى في الجولان السوري وجنوب لبنان ونهر الأردن) أو من خلال تحالفات استراتيجية مع الدول التي تسيطر على مصادر المياه (تركيا، أثيوبيا، أوغندا) للضغط على الدول التي تتزود من مياه كلّ من الفرات ودجلة والنيل.
لقد بقي الكيان الصهيوني حتى العام 1967 يُعاني الحرمان من المصادر المائيّة اللازمة لتحقيق مشاريعه الاقتصادية والاستعمارية الكبيرة، فجاء احتلال الأراضي العربيّة بعد هذه الحرب يُمهِّد له سبيل الاستيلاء على مصادر مائيّة جديدة، وهذه المصادر مهمَّة عندما نعلم أنّ 67% من المياه التي يستهلكها اليوم تأتي من خارج حدود الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
ومن أهمّ الأسباب التي تُحرِّض الكيان الصهيوني على الاحتفاظ بهذه الأراضي (كالضفّة الغربيّة ومُرتفعات الجولان وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا) الرغبة في الإشراف الدائم على مصادر المياه المجاورة، سواء أكانت أنهاراً أم ينابيع أم آباراً جوفيّة.
الجزء الثاني المتبقي من هذه الدارسة سيتناول معلومات تركّز على الموارد المائية بين سوريّة والكيان الصهيوني المُحتل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1207