الاستراتيجية والتكتيك في العِلم الماركسي-اللينينيّ (2)
ستالين ستالين

الاستراتيجية والتكتيك في العِلم الماركسي-اللينينيّ (2)

// نتابع فيما يلي الجزء الثاني والأخير من المقتطفات المُختارة من مقالةِ ستالين الهامّة حول الاستراتيجية والتكتيك، التي كتبها لصحيفة البرافدا (آذار 1923). وفي هذا الجزء يتناوَلُ ستالين الأشكالَ المتنوّعة للنضال والتنظيم، ويفرِّقُ بين «الشِّعار» و«التَّوجيه»، كما يميّز ضمن الشعارات بين نوعين: «الشعار التحريضيّ» و«شِعار العَمل»، موضّحاً ديالكتيك تحوّل هذه الأشكال بعضها إلى الآخر، أو حتى إلغاءها، وفقاً لمقتضيات المرحلة الملموسة.

تعريب وإعداد: أسامة دليقان

5- أشكال النضال

يجب أن يقال الشيء نفسه عن أشكال النضال في المجال السياسي. إن أشكال النضال في المجال السياسي أكثر تنوعاً من أشكال الحرب. فهي تتغيَّر وفقاً لتطور الحياة الاقتصادية، والحياة الاجتماعية، والثقافة، وحالة الطبقات، وميزان القوى المتصارعة، ونوع الحكومة، وأخيراً، وفقاً للعلاقات الدولية، وما إلى ذلك. الشكل غير القانوني للنضال في ظل الحكم المطلق، مقترناً بالإضرابات الجزئية ومظاهرات العمال؛ والشكل المفتوح للنضال عندما توجد «الإمكانيات القانونية»، والإضرابات السياسية الجماهيرية للعمال؛ والشكل البرلماني للنضال في ذلك الوقت... والعمل الجماهيري خارج البرلمان الذي يتطور أحياناً إلى انتفاضة مسلحة؛ وأخيراً، أشكال الدولة للنضال، بعد أن تستولي البروليتاريا على السلطة وتحصل على فرصة استخدام جميع موارد الدولة وقواها، بما في ذلك الجيش - هذه، بشكل عام، هي أشكال النضال التي تبرز إلى الواجهة من خلال التجربة العملية للنضال الثوري للبروليتاريا.
إنّ مهمة الحزب هي إتقان جميع أشكال النضال، والجمعُ بينها بذكاء في ساحة المعركة، وتكثيف النضال بمهارة في تلك الأشكال المناسبة بشكلٍ خاص للوضع المُعطَى.

6- أشكال التنظيم

يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن أشكال التنظيم في المجال السياسي. هنا، كما في المجال العسكري، تتكيَّف أشكال التنظيم مع أشكال النضال. فهناك المنظمات السرية للثوريين المحترفين في فترة الحكم المطلق. وهناك المنظمات التعليمية والنقابية والتعاونية والبرلمانية... ولجان المصانع وورش العمل، ولجان الفلّاحين، ولجان الإضراب، ومجالس نوّاب العمّال والجنود، واللّجان العسكرية الثورية، وحزبٌ بروليتاريّ واسع النطاق يوحِّدُ كلَّ هذه الأشكال من التنظيم، في فترة العمل الجماهيري والانتفاضة. أخيراً، هناك شكل الدولة لتنظيم البروليتاريا في الفترة التي تتركّز فيها السلطة في أيدي الطبقة العاملة - هذه هي، بشكل عام، أشكالُ التنظيم التي يمكن للبروليتاريا، في ظلّ ظروف معيَّنة، أنْ تعتمد عليها في نضالها ضدّ البرجوازية.
إنّ مهمة الحزب هي إتقان كلّ هذه الأشكال من التنظيم... والجمع بمهارة بين عمليّاتها في كل لحظة معيَّنة.

7- الشِّعار والتوجيه

إن الشعارات أكثر أهمية في المجال السياسي؛ عندما يتعين علينا التعامل مع عشرات ومئات الملايين من السكان، مع مطالبهم ومتطلّباتهم المتنوعة.
الشِّعار هو صياغةٌ موجَزة وواضحة لأهداف النِّضال، القريبة أو البعيدة، التي تُقدِّمُها المجموعةُ القيادية، فلنقلْ البروليتاريا، عن طريق حزبها. وتتنوّع الشِّعارات وفقاً لأهداف النضال المختلفة، وهي أهدافٌ تشمل إمّا فترةً تاريخيةً كاملةً أو مراحلَ وحلقاتٍ فرديّةً من الفترة التاريخية المعيَّنة.
أمّا التَّوجيه فهو دعوةٌ مباشَرةٌ من الحزب إلى العمل، في وقت معين وفي مكان معين، ويكون التوجيهُ ملزِماً لجميع أعضاء الحزب، وإذا كانت هذه الدَّعوة تصوغ بشكلٍ صحيح ومناسِب مطالبَ الجماهير، وإذا كان الوقت مناسباً حقّاً لذلك، فعادةً ما تتبنّاها الجماهيرُ العريضة من الكادحين.
إنَّ الخلط بين الشعارات والتوجيهات، أو بين الشعارِ التحريضيّ وشِعار العَمَل، يشكِّل خطراً لا يقل عن العمل السابق لأوانه أو المتأخر عن أوانه، والذي قد يكون قاتلاً في بعض الأحيان. ففي إبريل/نيسان 1917 كان شعار «كلّ السلطة للسوفييتات» شعاراً للتحريض. وكانت المظاهرة الشهيرة التي جرت في بتروغراد في إبريل/نيسان 1917 تحت شعار «كل السلطة للسوفييتات»، والتي حاصرت قصر الشتاء، محاولةً سابقة لأوانها وبالتالي قاتلة، لأنها حوّلت هذا الشعار [قبل الأوان] إلى شعار عمل. وكان هذا مثالاً خطيراً للغاية على الخلط بين شعار التحريض وشعار العمل. وكان الحزب على حقّ عندما أدانَ المبادرين إلى هذه المظاهرة، لأنّه كان يعلم أنَّ الظروفَ اللازمة لتحويل هذا الشعار إلى شعار عمل لم تنشأ بعد، وأنّ العمل السابق لأوانه من جانب البروليتاريا قد يؤدي إلى هزيمة قواتها. ومن ناحية أخرى، هناك حالاتٌ يواجِه فيها الحزب ضرورةً تنشأ (بين عشية وضحاها) إلى إلغاء أو تغيير شعارٍ أو توجيه متبنَّى، حانَ الوقت له، من أجل حماية صفوفِه من الفخّ الذي نَصَبَه له العدوّ، أو ضرورة تأجيل تنفيذ التّوجيه إلى وقتٍ أكثر ملاءمة. وقد نشأت مثل هذه الحالة في بتروغراد في حزيران 1917، عندما ألغت اللَّجنة المركزية لحزبنا «فجأة» مظاهرةَ العمال والجنود التي تم الإعداد لها بعناية وتحديدها لتتم في العاشر من حزيران، بسبب تغير الوضع.
إنّ من واجب الحزب أن يحوِّل بمهارة وفي الوقت المناسب شعاراتِ التَّحريض إلى شعاراتِ عمل، أو شعارات العمل إلى توجيهاتٍ محدَّدة وملموسة، أو إذا كان الموقُف يتطلّب ذلك، أن يُظهر المرونة والعزم اللَّازمين لإلغاء تنفيذ أيِّ شعارٍ معيَّن في الوقت المناسب، حتى لو كان شعبياً وكان الوقت مناسباً لذلك.
إنّ استراتيجية الحزب ليست شيئاً ثابتاً مرّةً واحدة وإلى الأبد. إنّها تتغيّر وفقاً لمنعطفات التاريخ، وفقاً للتغيّرات التاريخية. وتجد هذه التغيُّرات في الاستراتيجية تعبيرَها في حقيقةٍ مفادَها أنّه مع كلِّ منعطَفٍ منفصل في التاريخ يتمُّ وضعُ خطة استراتيجية مستقلّة تتوافق مع هذا المنعَطَف، وتكون فعّالةً طوال الفترة الممتدّة من هذا المنعطف إلى المنعطف التّالي. تحدِّدُ الخطّةُ الاستراتيجية اتّجاهَ الضربةِ الرئيسيّة التي يجب أنْ توجِّهَها القوى الثورية، والموقفَ المقابل للجماهير الواسعة على الجبهة الاجتماعية. بطبيعة الحال، الخطّة الاستراتيجية المناسبة لفترة تاريخية معيَّنةٍ لها سماتُها الخاصّة، لا يمكن أنْ تكون مناسبةً لفترةٍ تاريخيةٍ أخرى لها سماتُها الخاصة المختلفة تماماً. فمع كلّ منعطف في التاريخ تتوافقُ الخطة الاستراتيجية الأساسيّة لذلك المنعطف والمتكيِّفة مع مهامّه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1206